إعداد لكحل محمد
تبرز قضية تعاطي المواد المنشطة، كواحدة من أخطر التحديات التي تواجه عالم الرياضة، نظرًا لكونها تمس نزاهة المنافسات الرياضية من جهة، وبسبب ما تنطوي عليه من آثار صحية ونفسية خطيرة، قد تودي بأصحابها إلى دروب الضياع والهلاك.
فماهية تلك الآفة المزمنة؟ وإلى أي درجة يبلغ مدى خطورتها وتأثيرها على كينونة الرياضة وحياة الرياضيين؟ وما أهم الطرق المتبعة لمكافحتها والكشف عنها؟ وأخيرًا من أشهر نجوم الرياضة الذين تورطوا بتعاطيها؟
استخدام المنشطات بدأ بسباقات الخيول والكلاب
بدايةً سنعود بالتاريخ مئات السنين، لنجد أن آفة المنشطات لطالما ارتبطت بالمنافسات الرياضية، فكانت الخيول وكلاب السباق تُعطى بعض المواد والأعشاب الطبية التي تحفز نشاطها قبيل بدء السباقات، قبل أن تنتقل تلك العادة إلى البشر، حيث أكدت الدراسات أن معظم أبطال الألعاب الأولمبية القديمة كانوا يتعاطون صنوفًا من الأعشاب والمواد الطبية المختلفة التي تساعد على تحسين أدائهم.
واستمر الأمر كذلك عبر القرون، مع ملاحظة تأثر العديد من متعاطيي تلك المواد صحيًا، حيث سُجلت عام 1882 حادثة وفاة لأحد أبطال سباقات الدراجات الإنجليز، بسبب تعاطيه جرعة زائدة من المواد المنشطة، دون أن يكون ذلك رادعًا لغيره من الرياضيين، الذين بقوا يستخدمون تلك المواد دون رادع أو رقيب حتى عام 1961، الذي شهد تأسيس أول مختبر علمي للكشف عن تعاطي المواد المخدرة والمنشطة في مدينة فلورنسا الإيطالية، لتكون تلك الخطوة فاتحة لسن القوانين الرادعة لتعاطي المواد المنشطة خلال المنافسات الرياضية، والتي كانت بدايتها مع الأولمبياد الشتوي في غرينوبل عام 1968، ثم أولمبياد ميونيخ عام 1972، قبل أن تصدر اللجنة الأولمبية الدولية أول لائحة رسمية بالمواد المحظورة، وذلك على هامش أولمبياد مونتريال عام 1976.
وإذا أردنا أن نلقي نظرة على أنواع المواد المنشطة المحظورة وفقًا للائحة اللجنة الأولمبية الدولية التي يجري تحديثها باستمرار، نجد أنها تُقسم إلى ثلاثة أصناف:
.محفزات الجهاز العصبي والعضلي أنواع الهرمونات البناءة كالتستوستيرون: والأندروستينيدون والإرثروبيوتين وهرمونات النمو، إضافةً إلى المكملات الهرمونية كالكورتيزون والكرياتين، والمنبهات العصبية الموجودة في مشروبات الطاقة.
.العقاقير المخدرة والمثبطة للجهاز العصبي: كالمورفين و الكوكايين والأعشاب المخدرة كالماريجوانا والأفيون والقنب، إضافة إلى المشروبات الكحولية بأنواعها.
.المواد التي تغطي استخدام المنشط أو المخدر عقار البروبانسيد : كبعض أنواع المضادات الحيوية والأدوية التي يمكن أن تغير من التكوين الطبيعي للدم أو البول أو اللعاب.
وعادةً ما يتم تعاطي تلك المواد عن طريق التناول الفموي على شكل حبوب أو مساحيق أو مشروبات، أو عن طريق الحقن العضلية أو الوريدية، أو عن طريق الاستنشاق بالأنف.
وفضلًا عن أضرارها الرياضية، باعتبارها نوع من الغش الذي يمس نزاهة الرياضة، ويضر بمبدأ تكافؤ الفرص بين الرياضيين، ينطوي تعاطي المواد المنشطة والمخدرة على الكثير من الأخطار الصحية والنفسية، التي من شأنها تدمير حاضر ومستقبل متعاطيها، بل وإنهاء حياتهم أيضًا، فهي سبب رئيسي من أسباب ظاهرة الموت المفاجئ لدى الرياضيين، نتيجة ما يحدثه تناول جرعات زائدة منها، من اختلال في عمل وظائف القلب والجهاز التنفسي، مما يؤدي إلى توقف القلب الفجائي أو الذبحة الصدرية، كما يمكن أن تكون تلك المواد سببًا في أمراض الكبد والكلى والمعدة، إضافة إلى تأثيرها السلبي على القدرة الجنسية للرجال خاصة.
توقف القلب المفاجئ واضطراب الهرمونات من أبرز أخطار تعاطي المنشطات
أما على المستوى العصبي والنفسي، فتشكل ظاهرة الإدمان بما تحمله من آثار صحية ونفسية واجتماعية خطيرة، إحدى أهم التبعات التي يسببها تعاطي تلك المواد، فضلًا عن بعض الاضطرابات النفسية والعصبية الأخرى كالاكتئاب والعدوانية والهلوسة والأرق وفقدان السيطرة على الانفعالات والتصرفات.
وتزداد نسبة الخطورة كلما ازدادت فترة تعاطي تلك المواد، كما يرتفع مستوى الضرر بالنسبة للمتعاطين من صغار السن، حيث تُضاف أخطار حدوث اضطرابات هرمونية قد تؤدي إلى توقف نمو العظام وظهور علامات الأنوثة لدى الذكور وانتشار البثور الجلدية وحب الشباب، إلى الأخطار الصحية والنفسية المذكورة سابقًا.
أما لدى النساء فيؤثر تعاطي تلك المواد سلبًا على قدرتهن على الحمل والإنجاب، كما تظهر لديهن بعض صفات الرجال كتزايد شعر الجسم وخشونة الصوت وتقلص حجم الثديين، فضلًا عما تسببه من اضطرابات في الدورة الشهرية.
وبسبب جميع تلك الأخطار والمشاكل، وضع القائمون على الرياضة نصب أعينهم مكافحة تلك الآفة الخطيرة عبر تطوير طرق الكشف عن تعاطيها وتغليظ العقوبات على مرتكبيها، حيث تتولى الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات “وادا “ منذ عام 1999 مهمة إجراء فحوصات دورية على الرياضيين في جميع الألعاب، وذلك بأخذ عينات من البول أو الدم أو اللعاب أو بصيلات الشعر، وإخضاعها لتحاليل خاصة ضمن المخابر العلمية المتخصصة التابعة لها، على أن تُرسل نتائج تلك التحاليل إلى الاتحادات الرياضية المعنية لاتخاذ الإجراءات والعقوبات المناسبة في حال كانت النتائج إيجابية.
حيث تتدرج العقوبات بين الإنذار والغرامة المالية، وصولًا إلى الحرمان المؤقت أو الدائم من مزاولة الرياضة، إضافة لتجريد المخالف من جميع إنجازاته وأرقامه خلال فترة تعاطيه.
تتم فحوصات المنشطات بتحليل عينات من البول أو الدم أو اللعاب أو بصيلات الشعر
ولا تقتصر العقوبات على من يثبت تعاطيهم المواد المنشطة، بل تمتد لتشمل جميع من يحاول المراوغة والتهرب من إجراء الفحوصات في الوقت المطلوب، حيث يُعامل معاملة المتعاطي ما لم يُقدم سببًا وجيهًا لتغيبه.
وإذا أردنا أن نعرف خارطة انتشار هذه الآفة، فما علينا سوى الاطلاع على التقارير السنوية لوكالة “وادا”، والتي تُظهر أن رياضات كمال الأجسام وألعاب القوى ورفع الأثقال وسباقات الدراجات تحتل المراكز الـ4 الأولى في سلم الرياضات الأكثر تسجيلًا لحالات تعاطي المنشطات، والذي يشمل 85 لعبة رياضية بينها كرة القدم التي تحتل المركز السادس في القائمة.
أعلى نسب تعاطي المنشطات في كمال الأجسام وألعاب القوى و سباق والدراجات
أما على صعيد الدول فلن نستغرب لدى معرفة أن رياضيي روسيا سجلوا أعلى نسبة تعاطي منشطات في السنوات الخمس الأخيرة، وذلك على خلفية فضيحة المنشطات الروسية عام 2015، والتي أثبتت التحقيقات تورط جهات حكومية روسية في إدارة برنامج ممنهج لتعاطي المنشطات، استفاد منه أكثر من 1000 رياضي ورياضية روسية، وقد عوقب العديد منهم بالإيقاف مدى الحياة، فضلًا عن تجريدهم من جميع إنجازاتهم خلال فترة تعاطيهم، كما حُرم أكثر من 100 منهم من المشاركة في أولمبياد ريو الأخير عام 2016.
ونعرج أخيرًا إلى الأفراد، لنعرف أشهر نجوم الرياضة الذين تورطوا بتعاطي المواد المنشطة والمخدرة المحظورة، فنجد في مقدمتهم أسطورة كرة القدم الأرجنتيني دييغو مارادونا الذي تعاطى المنشطات خلال كأس العالم عام 1994، وإلى جانبه نجوم آخرين في اللعبة كالإسباني بيب غوارديولا والروماني أدريان موتو والإنجليزي ريو فيرديناند والإيفواري كولو توريه والثلاثي الهولندي إدجار دافيدز وياب ستام وفرانك دي بور.
أندريه أغاسي، مارتينا هينغيس، ماريا شارابوفا، أبرز نجوم التنس الذين تعاطوا المنشطات المحظورة
كما نجد في القائمة عددًا من كبار نجوم التنس العالميين، كالأمريكي أندريه أغاسي والسويسرية مارتينا هينغيس والروسية ماريا شارابوفا والسويدي ماتس فيلاندر والصربي مارين سيليتش والأرجنتينيين غواييرمو كوريا وماريانو بويرتا وغواييرمو كانياس وخوان إدواردو تشيلا.
وفي الرياضات الأخرى نجد أسماء شهيرة كالدراج الأمريكي لانس أرمسترونج ومواطنه الملاكم مايك تايسون والعداء الكندي الشهير بن جونسون، الذي جُرد من لقب أسرع رجل في العالم بعد ثبوت تعاطيه المنشطات خلال منافسات أولمبياد سيؤول عام 1988، وهو الأمر ذاته الذي تكرر لاحقًا مع العداءة الأمريكية ماريون جونز ومواطنها جاستين غاتلن، وجميعهم من أبطال العالم الذين أساؤوا لسمعتهم وسمعة بلادهم بسقوطهم في فخ آفة المنشطات اللعينة.