بعد مباريات حافلة في صنف الهواة بدأ مايويدر يجهز نفسه لعالم الشهرة و المال الذي أصبح رقما صعبا في معادلته و ترك وراءه ذكريات الهاوي,فتلك كانت نهاية حقبة الهواة، ليخلع مايويذر واقي الرأس وينخرط في دنيا ملاكمة المحترفين؛ حيث الملايين والشهرة، مُحققا قبل رحيله عن دنيا الهواة رقما هائلا، قوامه الفوز في 74 مباراة، والهزيمة في 7 مباريات فقط، ولتُدوِن سجلات الملاكمة في العالم بأن الملاكم البلغاري سيرافيم تودوروف هو آخر ملاكم في العالم يفوز على فلويد مايويذر جونيور.
المشهد السادس
مايويذر لم يعد ذلك الفتى، إنه نجم ملاكمة المحترفين القوي السريع الخاطف ذائع الصيت الذي يسير بخطوات ثابتة نحو اعتلاء عرش الرياضة، عمّه يتولى تدريبه، ووالده ما زال في السجن بتهمة الإتجار في المخدرات، منافسيه يسقطون واحدًا تلو الآخر، روبرت أبوداكا وأنجل مانفريدي. وبعد دخوله إلى حلبات ملاكمات المحترفين بسنتين، تَحصَّل على أول لقب له؛ لقب المجلس العالمي للملاكمة (دبليو بي سي) بعد إسقاط منافسه جينارو هيرنانديز بالضربة القاضية الفنية.
توالت الألقاب، وتوالى مُتَحديه، والجميع سقط بلا استثناء، منهم من سقط بالضربة القاضية، ومنهم من سقط بمجموع النقاط، لا أحد يستطيع أن يوقف ذلك الفتى؛ كارلوس ريوس سقط، جستن جينكو سقط، كارلوس جيرينا سقط، مايويذر يسيطر على وزنه سيطرة كاملة بلا منافسة، والمحظوظ هو من يستطيع إطالة عمر جولاته معه.
يخرج والده من السجن ليتولى إدارة أعماله وتدريبه ويسبب له الكثير من المشاكل، فيزيحه من وظيفته ويعود للتدريب مع عمه، وأثناء ذلك يتضخم حسابه في البنك؛ منازل وسيارات فارهة أعلنت الوداع لحياة الفقر للأبد، والملاكمة هي من صنعت منه بليونيرًا كما وعدته جدته.
المشهد السابع
تتوالى النزالات ولا خسارة حتى الآن، من سيقف في وجه مايويذر، عالم المراهنات أصبح في اتجاه واحد أمام نزالاته. إذا، ليس لها إلا أوسكار دي لاهويا. الكل يعرف أن أوسكار دي لاهويا وفلويد مايويذر هما أعظم ملاكمين في العالم، وربما في التاريخ في أوزانهما، فلما لا تجري بينهما مباراة تستمتع بها الجماهير وتدر دخلًا كبيرا على المنظمين واللاعبين أنفسهم؟
رفع مايويذر من مِيزانه قليلًا لأجل المباراة، العالم كله مترقب ذلك النزال، بيعت 2.7 مليون بطاقة مشاهدة منزلية، ضاربة الرقم القياسي السابق المسجل في مباراة إيفاندر هوليفيلد ومايك تايسون بـ 1.9 مليون بطاقة، أرباح المباراة تتخطي حاجز الـ 120 مليون دولار، تقاضى منها دي لاهويا 57 مليون دولار، وتقاضى مايويذر 25. دي لاهويا يضرب تحت الحزام قبل بدء المباراة، ويطلب فلويد مايويذر الأب لتدريبه في مباراته ضد نجله؛ لتشتيت انتباهه. لكن القاعدة ترفض الانشقاق، ومايويذر ينتصر على دي لاهويا؛ ليواصل سجله الخالي من الهزائم، ثم يخرج ليختال بنفسه بعد الانتصار قائلًا إنه يفكر في التقاعد، فلم يعد هناك شيء يسعى لإثباته في عالم الملاكمة.
المشهد الثامن
02 ماي 2005؛ مايويذر وماني باكياو وتحدٍ جديد للأميركي تأخر عدة سنوات بسبب إصرار مايويذر على إجراء اختبار منشطات لمنافسه على الطريقة التي تسحب بها العينات للاختبار في دورات الألعاب الأوليمبية. أُطلق على النزال “تحدي القرن” وكانت أكبر مباراة تدر أرباحًا في تاريخ الملاكمة العالمية، بمجموع تخطى 300 مليون دولار. وتقاسم جوائزها الثنائي بواقع 125 مليون دولار لكل منهما، بعد أن بيعت ثلاثة ملايين تذكرة مشاهدة منزلية للمباراة التي أُقيمت في حلبة إم جي إم غراند غاردن أرينا بلاس فيغاس، وبعد أن رفض باكياو إجراء اختبار المنشطات واعتبره إهانة له وكادت أن تُلغى المباراة، وفي النهاية أقيمت، ليحقق فيها مايويذر فوزًا مستحقًا على منافسه بإجماع آراء الحكام.
المشهد التاسع
في 9 سبتمبر2014، أعلن مايويذر أنه سيتقاعد عن الملاكمة بعد أن يفوز على أندرية بيرتو، وهو ما تحقق له يوم لاقاه في 12 سبتمبر2015 وبإجماع آراء الحكام مرة أخرى، وبسجل خالٍ تماما من الهزائم؛ 49 فوز في 49 مباراة، ليتمتع بحياته وثروته، وأضحى ذلك الفتى الفقير يمتلك كل شيء، وبعد أن كان ينام هو وأخوته في غرفة واحدة بلا كهرباء، أصبح يمتلك قصرا في لاس فيغاس بمساحة 2000 متر.
كونور ماكغريغور يتحدى مايويذر، هذا الشاب الأيرلندي ينتمي لاتحاد الرياضات القتالية المختلطة (يو إف سي) ويدعو مايويذر لمنازلته وإثبات أحقيته بالألقاب. المباراة صعبة وتحتاج الكثير من الجهد، ولكن الفتى الذي لا يعرف الهزيمة لم يعد ذلك الفتى الصغير الخفيف الرشيق على الحلبة، بل أصبح رجلًا تخطى عامه الأربعين، لكنه لا يستطيع أن يسمع أن هناك متحديًا له ويصم آذانه عن مواجهته، كما أنه لا يستطيع أن يفوِّت عرضا كهذا، فالقيمة المالية للمباراة تخطت المليار دولار، ويتوقع المراقبون ألا تقل حصة مايويذر عن 250 مليون دولار أميركي.
أُقيم النزال في نيفادا لاس فيغاس. سنتان بدون منافسات لمايويذر، جعلته حذرًا مترقبًا في أول ثلاث جولات، يحاول استنزاف قدرات منافسه الشاب الذي يصغره باثني عشرة سنة، ثم ما لبث أن انقض عليه مهاجمًا، وأوسعه بلكمات متتالية أفقدته تركيزه، حتى جاءت الجولة العاشرة، وفيها أعلن الحكم فوز مايويذر بالقاضية. أعلن الحكم عن استمرار الأسطورة بلا نهاية، لم يشأ التاريخ أن يُنهي مايويذر سجله التاريخي ناصع البياض بهزيمة من ملاكم ليس بملاكم، مايويذر مستمر كملك متوج بلا هزيمة.
الفتى الذي لم يعرف اليأس له طريقا، لم يستسلم لجحيم والديه، لم يتغلب عليه الفقر، لم تقهره الظروف. استغل موهبته أفضل استغلال، حارب وكافح وثابر وأجتهد حتى أضحى أحد أعظم الشخصيات الرياضية في التاريخ.
انتهت الحكاية، ولكن فلويد مايويذر جونيور ما زال لم يكتب بعد فصول نهايتها.