يعتبر صالح عصاد أيقونة كرة القدم الجزائرية و أحد صناع ملحمة خيخون كيف لا و هو من ساهم بقسط وافر في فوز الجزائر على ألمانيا خلال مونديال اسبانيا سنة 1982 و للعودة إلى أيام زمان إرتئينا تسليط الضوء على هذا اللاعب الفّذ ذو الأخلاق النبيلة من خلال هذه البيوغرافيا الموجزة التي تعود بنا إلى زمن النوستالجيا الجميلة لكرة القدم الجزائرية و نعد قراء جريدة “المقال” بنفض الغبار عن كل من ساهم في بعث الروح في الكرة الجزائرية لأنه من شيم الكبار الإعتراف بما قدمه الأسلاف.
بداياته مع كرة القدم
صالح عصاد من مواليد 13/03/1958 بولاية تيزي وزو، مباشرة بعد نيل الجزائر استقلالها من المستعمر الفرنسي، انتقلت عائلة عصاد إلى العاصمة بحثا عن حياة جديدة، بعد أن عانت أبشع ويلات الاستعمار، فاختارت حي القبة. منذ نعومة أظافره تجّلت بوضوح معالم الفتى عصاد صالح فلقد كان جد شغوفا بلعبة كرة القدم، إلى درجة أنه كان لا ينام إلا ويضع كرة قدم تحت وسادته، وما أن يستيقظ حتى يقبلها خشية أن يكون أحد أفراد عائلته قد نزعها منه. كانت الأيام والشهور تمر بسرعة على الفتى صالح الذي كان يعرف وسط أفراد عائلته وأطفال حييه بإسم “الروجي” لميول لون شعره وبشرته إلى الاحمرار، ورغم بنيته النحيفة إلا انه كان يمتاز بسرعة فائقة وبمراوغاة مبدعة وقذفات مدفعية، إضافة إلى كل هذا كان الفتى عصاد صالح يمتاز بأخلاق كبيرة جعلت منه الطفل المحبوب لدى الكبير والصغير.
الفتى سرق الأضواء من الكبار
صالح عصاد كان لا يعرف الكلل ولا الملل، ومما يحكى عليه أنه أول من يدخل إلى الملعب للتدريب وآخر من يغادره، كان يسمع نصائح مدربيه، ولا يغضب من انتقاداتهم له، منذ صغره عرف عصاد برزانة وبرودة دمه، الأمر الذي جعله يسكن قلوب كل من كان يتحدث معه، فبات الإبن المدلل للاعب بوعلام عميروش، حيث أعجب بأخلاقه العالية وبطريقة لعبه المميزة، فكان يقدم له النصائح وهي النصائح التي عمل بها صالح “الروجي” والتي قادته فيما بعد إلى عالم النجومية ودائرة الأضواء. و رغم وجود بوعلام عميروش إلى جانب الإخوة آيت شقو في تشكيلة رائد القبة إلا أن الكثير من عشاق الرائد كان يفضل رؤية الشبل الروجي صالح، لما كان يتميز به من مستوى فني قلما نجدها عند لاعبي سنه، خاصة وأنه كان يمتاز برجل ساحرة، كانت بمثابة سما قاتلا للحراس.
شهرة عصاد تمتد خارج العاصمة
رغم محدودية وسائل الإعلام آنذاك إلا أن عصاد بات حديث الجمهور الرياضي في كل شبر من أرض الجزائر، خاصة بعد أن تم استدعائه إلى المنتخب الوطني للأشبال وبعدها إلى منتخب الأواسط، وهو المنتخب الذي وجد نفسه مع لاعبين يجيدون مداعبة الكرة من بينهم ماجر و آيت الحسين من النصرية ولخضر بلومي من غالي معسكر وهي العناصر التي ستبهر العالم أجمع في مونديال اسبانيا عام 1982، وهو ما سنتحدث عنها لاحقا.
مخلوفي جعل صالح أسطورة
يعود الفضل في تألق عصاد مع المنتخب الوطني إلى المدرب الجزائري رشيد مخلوفي، وذلك في نهاية عام 1976، وهي النهاية التي شهدت تتويج مولودية العاصمة بكأس الأندية البطلة، وقتها كان صالح عصاد يبلغ من العمر 18 سنة، فبعد تألقه مع المنتخبات الشبانية ومع فريقه رائد القبة، تم استدعائه إلى المنتخب الوطني للآمال وهو المنتخب الذي شّكل النواة الحقيقة لمنتخب 1982. مخلوفي وحتى يتسنى له استدعاء عصاد إلى المنتخب العسكري كان لزاما عليه أن يجد طريقة توصله إلى مبتغاه، وبعد تفكير طويل توّصل إلى حل مفاده أن يرغم عصاد بأداء الخدمة الوطنية، وهي الطريقة التي مكنت مخلوفي من استدعاء عصاد إلى جانب مرزقان وماجر وبلومي، وهو المنتخب الذي أبهر المتتبعين في دورة المتوسط عام 1979 بمدينة سبليت اليوغسلافية سابقا، بانتزاعه الميدالية البرونزية. شهران من بعد زرع الرعب في قلوب المغاربة، بفضل قدمه اليسرى الساحرة، بعد أن قنبل عصاد وزملائه الحارس المغربي بخماسية في آخر دور إقصائي لأولمبياد موسكو 1980.
عصاد يزرع الرعب في أسود الأطلس و الفراعنة
بعد التأهل الذي وصف آنذاك بالتاريخي للمنتخب الوطني إلى الأدوار النهائية لكأس أمم إفريقيا عام 1980 بنيجيريا، كان عصاد أمام فرصة لإبراز موهبته الخارقة. أوقعت قرعة أمم إفريقيا عام 1980 منتخبنا الوطني في المجموعة الثانية إلى جانب كل من المغرب وغينيا وحامل ألكاس غانا، ورغم قوة هذا الأخير، إلا أن عصاد أنسى الأفارقة بنجوم غانا، وكّرر مهارته في اللقاء الموالي أمام المغرب، فحتى وان لم يسجل هدف الفوز لمنتخبنا الوطني الذي وقعه بلومي في الأنفاس الأخيرة، إلا انه كان من صنع عصاد، لكسب ورقة العبور إلى المربع النهائي ليلاقي منتخب مصر. المصريون الذين وصفوا مواجهة الجزائر بالاستعراضية اصطدموا بمنتخب من فولاذ يقوده الأشقر صالح عصاد في الهجوم، حيث مّكن من هز شباك الحارس المصري العملاق ثابت البطل بثنائية زعزع الأرض من تحت الفراعنة المصريين، حيث راح المصريون بعد انتهاء اللقاء بفوز الجزائر بضربات الجزاء يتساءلون عن ذلك الفتى الأشقر صالح عصاد.
صالح يدخل رائد القبة التاريخ
بلقب وطني لم يتكرر بعد تألق صالح عصاد في مطلع الثمانيات شمل فريقه الأبدي رائد القبة، حيث كان وراء تتويجه التاريخي بلقب البطولة الوطنية في موسم 80/81، وهو اللقب الوحيد الذي يوجد في سجل رائد القبة. وقد سجل صالح عصاد في ذلك الموسم 16 هدفا، لينتزع لقب هداف البطولة بامتياز، وهو أحلى موسم مع أصحاب اللون الأخضر والأبيض، الفريق الذي يصفه عصاد بعشقه الأبدي .
المجد في بلاد الأندلس
في غمرة الاحتفالات بالذكرى التاسعة عشر لاستقلال الجزائر، عاش الجزائريون احتفالات لم يسبق وأن عاشها من قبل، تأهل المنتخب الوطني في ليلة غرة نوفمبر عام 1981 بالتأهل التاريخي لمنتخبنا الوطني لأول مرة إلى الأدوار النهائية لكاس العالم بعد فوزه ذهابا و إيابا على نيجيريا 0/2 و2/1 بقسنطينة، وهو التأهل الذي شكر منعرجا حاسما في المسيرة الكروية لابن مدينة الأربعاء ناث ايرثن صالح عصاد.
يتبع