لقد أصبح عامل اللغة في وقتنا الراهن يمّثل أداة أساسية للحفاظ على هوية الذات التي بفضلها يمكن لأي بلد أن يساير الحاضر و يواكب المستقبل دون أي مساس بمقوماته التاريخية طبعا.
هذه النظرية التي يتخذها علماء اللسانيات و أنثروبولوجيا اللغة تعتبر ممهدا رئيسيا لأجل بقاء الشعوب,وأضحت مغيبة في بلادنا حيث أن الجزائريون في مختلف ربوع الوطن كما تقتضيه الأعراف الاجتماعية إضافة إلى ابتداعهم لهجات تعبّر معظمها عن البعد التاريخي و الاجتماعي و كذا الجغرافي لهذه المناطق حيث تعرف هوية الشخص مباشرة بعد تبادل أول الكلمات معه و هو ما يعتبر قاعدة لكل شعوب العالم.
و بقدر اعتزازنا ب”الدارجة”بحد ذاتها لأنها تبقى جزءا لا يتجزأ من ثقافة الشعب الجزائري,أصبح الخطر المحدق يتمثل في تلك الكلمات الدخيلة التي أضحت بضاعة لسانية مسمومة في أفواه كل الشباب تقريبا و أصبحت مجمل الكلمات خادشة للحياء مستوحاة من معجم لا أخلاقي تثير الاشمئزاز لدى كبار السّن بينما تثير النشوة في أوساط الشباب.
حيث نرى من خلال تمعننا في الخطاب اللهجوي حاليا أن الجمل تأتي من لدن الشباب مفككة لا ضابط لها فضلا عن الأخطاء النحوية.و أصبحت اللهجة التي كانت فيما مضى تخضع للموروث القديم المشّبع و الغني بالمصطلحات العامية مجرد كلام مشّفر لا يفهمه إلا أصحاب السوق كما يقال وهذا ما يفسر توسع هوة الاحترام بين الآباء و الأبناء و حتى بين الشيوخ و الشباب.
و اتخذت اللهجة انعطافا خطيرا و تشكلت من خلال ذلك تكتلات من أولاد اللهجة الواحدة فهناك شيفرة “البطالين” التي تحوي مضمونا كلمات تسّب الواقع المرير على ميزان “راني مدبرس”, و هناك تكتل البزناسة الذين حولوا مبلغ المليار سنتيم إلى كلمة “كيلو” أما الخمسمائة مليون فحوروها إلى “500غ”.
و يرى العارفون بشأن اللغة و اللهجات أن هذا المنطق إن طال أمده فسوف يكون شوكة أخرى في حلق الشعب الجزائري فهي بمثابة إرهاب ثقافي يخّرب مقومات الأمة, فهذا البعبع الذي أضحى يتربص لسانيا ببلادنا لن نسلم من شّره لو لن تتظافر الجهود لأجل القضاء عليه, بدءا بإرساء التربية اللغوية في حدود الأسرة و انتهاءا بتثبيت قواعدها على مستوى المنظومة التربوية.