تَابعت نعْي أصدقاء الأديب الإعلامي الّليبي علي مصطفى المصراتي –رحمه الله- ومنذ أسابيع التقيت مع زملاء ليبيين وبالخصوص نجيب الحصّادي (مترجم وأستاذ فلسفة)، وتحدّثنا عنه وعلاقته مع مالك بن نبي، لقد زار مالك بن ليبيا قبل هذا رحلته الأخيرة التي التقى فيها مع علي المصراتي مرتين وكان له أصدقاء وتلاميذ بها، ومن أصدقائه المخلِصين محمد فنيش الليبي الذي كان وراء زواج بن نبي الثانية وهي جزائرية في طرابلس سنة 1961 أنجبت له بناته الثّلاث.
نشرت دار “عالم الأفكار” الجزائرية شهر سبتمبر الماضي كتاباً عنوانه: “L’Islam et L’ordre du monde, le testament de Malek Bennabi، من تأليف أمير نور، وقد تسلّمت نسخة من الزّميل الدّبلوماسي المثقّف نصرالدين العرابة الذي أعانني في تنظيم ملتقى دولي عن مالك بن نبي بتلمسان عام 2011، حدّثني عن الحوار مع نبي غير المنشور سابقاً والذي أجراه مع بن نبي الكاتب الّليبي علي مصطفى المصراتي في جانفي 1973، وهي وثيقة مهمّة بالنّسبة لدارسي فكر مالك بن نبي لأنّه آخر حوار قبل وفاته بأشهر.
كما أنّ تسجيله كان في ليبا بعد عودة بن نبي من الحجّ و”المجالِس الدّمشقية” التي نُشرت بعض محاضراتها ومنها “دور المسلم ورسالته في الثّلث الأخير من القرن العشرين”، هذا الحِوار في الأصل وثيقة كان يملكها زميل بن نبي وتلميذه عبدالوهاب حمّودة – رحمه الله- مهندس ملتقيات الفكر الإسلامي، وهي التي نشرها الكتاب المشار إليه.
الحوار الأخير في حياة مالك بن نبي أداره كاتب ملمٌّ بأفكار بن نبي ومداخل الفكر العالمي، كما له إلمام بالفلسفة والتراث الإسلامي، في هذا الحوار ينتصر بن نبي لأبي حامد الغزالي ويحاول فهم خصومة ابن رشد له، ويعتبر الأخير مسلماً وغربياً في آن واحد، سواء في ترجمته للفكر اليوناني أو في استفادة الغرب منه، ويُوافق هنا محمود قاسم في كون توما الإكويني انتحل آراء ابن رشد، كما يتعرّض الحِوار إلى قضايا فلسفية وفكرية تبين إدراك بن نبي لتاريخها ويعترف بفضل زميله عليه محمود بن ساعي في الاطّلاع على الفلسفة وبالخصوص فكر الإمام الغزالي.
ويرى نفسه حكيماً مُحباً للفلسفة، ويفضِّل أبحاث عبدالواحد وافي ومحمود قاسم عن ابن خلدون وفلاسفة الإسلام كما يفضّل ترجمات عبدالصبور شاهين لنصوصه، ومن خلال الحوار تجده وكأنه يشبِّه نفسه في كونه ينتمي لكل البلدان العربية والإسلامية والفضل للقاهرة في الاستقبال والعناية مثل ابن خلدون والعزّ بن عبدالسلام.
وفي موقع من الحوار يطرح قضية أخرى وهو أنّ العالم فقير من الرّوح وهنا دور المسلم في مجابهة المادية، كما ينتقد العنف الذي تميّزت به أنديرا غاندي التي كانت رئيسة الوزراء لمرتين، ولو قيّض له أن يكتب لتراجع عن الإشادة باللاعنف الذي تميزت به الهند، فهي تثير (في زمنه) مشاكل مع الجيران وتنتهج العنف وذاقت منه اغتيالاً على أيدي أحد السّيخ سنة (1984).
الحوار ممتع لكونه يتساءل ويطرح آراء كان من الممكن لو كتب لبن نبي العمر لعمّق وجدّد في بعض القضايا التي شغلته ومنها “عالمية الإسلام” وقضايا “القِيم الإنسانيّة” و”كيف يتجاوز العالم فقْره الرّوحي؟” وموقفه من الفكرة الأفروآسيوية” وبروز العنف في بلدان آسيوية ثقافتها التّاريخية تتّسم بالدّعوة إلى اللاعنف.
في بداية اللّقاء كان راضياً عن إنهاء مهامه الرسميّة لأنّه تفرّغ للبحث والعلم، ومن خلال حديثه يقطع الجدل الذي دار هل أنهيت مهامّه أم استقال؟ ومعروف أن عمار طالبي رفيق بن نبي صرّح في أكثر من مناسبة أنّ الوزير السابق طالب الإبراهيمي هو من أنهى مهامّه من مسؤوليته الإدارية في وزارة التعليم العالي.