المتمعن للنسيج العمراني في مدينة وهران يرى بوضوح أن المدينة انسلخت تماما عن ماضيها , حيث غزى الإسمنت الباهية و أصبحت بمثابة برج صخري غابت من خلاله اللمسة المعمارية العربية المغاربية التي عوضتها اللمسة الغربية الفوضوية.
و ليت الأمر ظل على هذا القبيل بل تحولت الطوابق الأرضية لمعظم البنايات الحديثة إلى محلات و مستودعات للتخزين , الأمر الذي جعل المباني التراثية تتقلص على حساب بارونات التجارة الذين سلبوا حتى المواطنين راحة البال من خلال تحويلهم الأحياء الشعبية إلى أسواق بدون سابق إنذار.
ناهيك عن الأوساخ التي يخّلفها التجار في نهاية اليوم دون نسيان صخب محركات الشاحنات خلال عمليات الشحن و التفريغ.
و خير دليل على هذا الكلام هو تحول منطقة “خنق النطاح” المعروفة ب”قارقينطا” بالعامية الوهرانية , و التي احتضنت معارك ضارية قادها الباي “محمد بن عثمان الكبير” ضد الإسبان و بعده الأمير عبد القادر ضد الفرنسيين إلى مركز تجاري الذي لم يتم تشييده بعد.
و الغريب في الأمر أن أبناء المدينة يجهلون كل الجهل مكان الوقائع التاريخية في الباهية , و السبب هو عدم تواجد حتى لوحة جدارية كأضعف الإيمان تشير إلى تاريخ المنطقة.
و هو نفس الشيء بالنسبة لمقابر شهداء معركة تحرير وهران ضد الإسبان سنة 1792 في جبل “سيدي غريب” بحي الصنوبر “البلانتير” سابقا.
و مغارة “دادا أيوب” التي كانت المنطلق الأول للمتصوفين في المغرب العربي و التي تحولت إلى أماكن للمجون و شرب الخمور.
و رغم نداءات الأكاديميين الوهرانيين من أمثال البروفيسور “بومدين بوزيد” المشكور على تنظيم عدة ملتقيات أكاديمية حول المدينة و تراثها , و كذا علمائها و صلّاحها من أجل حماية آثار وهران من الضياع.
إلا أن كل الصيحات و الإستغاثات لاقت أذانا صمّاء , و أصبحت السياحة في نظر المسؤولين مجرد تمجيد لأغاني الراي و كثرة الملاهي الليلية.
و يحدث كل هذا و شوارع الباهية تغرق في أكوام من القاذورات في الوقت الراهن , و التي لم تجد اليد العاملة لتخليص المدينة من شبحها و كل هذا يحدث و نحن على أمتار فقط من تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط فسترك يا رب.
فياحسراه على وهران التي كانت مدينة الحضر و اللويزة فالصدر و يأمل سكان الباهية أن يكون الرئيس الجديد للبلدية فأل خير على الباهية و ينقذ ما أفسده سابقوه.