ما قل ودل

المؤرخ مارتن إيفانس يفتح قلبه لجريدة المقال… الجزائر لم يوفيها التاريخ حقها

المؤرخ مارتن إيفانز و في أعلى الصورة كتابه عن الجزائر

شارك المقال

الجزء الأول

يعتبر مارتن إيفانس مؤرخا من بلد الأنجلوساكسونيين ويقف دائما في أعرق الجامعات العالمية محاضرا حول التاريخ المعاصر لبلدنا الجزائر , و استطاع من خلال أبحاث دامت لقرابة ما يزيد عن عشرية من الزمن أن يغوص في تاريخ الجزائر الثوري و التحرري ليخرج من أعماقه بكتاب ألّفه أطلق عليه اسم “الجزائر.. الحرب غير المعلنة للفرنسيين” و بوساطة من أستاذ اللغة الإنجليزية بجامعة وهران البروفيسور “بلمكّي بلقاسم” الذي يشتغل مع إيفانس حول عدة مشاريع تاريخية مشتركة إستطاعت جريدة المقال أن تحاور هذا المؤرخ الإنجليزي بتقنية “السكايب” فكان لنا معه الحوار التالي الذي ارتأينا تقسيمه إلى جزئين…

كما تجري العادة في الحوارات مع الشخصيات التي يجهلها القارئ الجزائري من هو مارتن إيفانس ؟

أنا بريطاني الجنسية و المولد كذلك عكفت من خلال مسيرتي العلمية على دراسة اللغة الفرنسية , بعدها آثرت دراسة التاريخ و تخصصت بعد دراسات عليا في التاريخ الحديث خاصة تاريخ شمال إفريقيا و الشرق الأوسط و بالأخص منذ سنة 1908 إلى غاية نهاية القرن العشرين ووجه الترابط بين المنطقتين في تلك الحقبة خاصة كما تعلمون كانت فترة استعمار و انتداب و حماية و تكتلات دول الغرب على الدول المستعمرة من خلال اتفاقيات و معاهدات أدت إلى بروز الاستعمار بصفة عامة و حاليا أنا بروفيسور في جامعة سوسيكس ببريطانيا و أشرف على مذكرات عديدة لطلبة حول حرب الجزائر.

 

بلومي في إحدى اللقطات أمام الألمان

 

بعد مونديال إسبانيا آثرت الكتابة عن الجزائر

 

جئنا إلى مربط الفرس ما سّر اهتمامك بالثورة الجزائرية تحديدا؟

علاقتي بالجزائر أصدقكم القول جاءت صدفة من خلال زيارتي لها سنة 1982 عبر رحلة نظمتها ثانويتنا و أراد لي القدر أن تتزامن رحلتي مع مونديال إسبانيا و بالضبط فوز محاربي الصحراء حينها على منتخب ألمانيا الغربية فرأيت هبّة شعبية منقطعة النظير بعد الفوز و تضامن أسطوري لم يسبق لي و أن شاهدته من قبل فعلمت أن هذا الشعب في مكنونه حكايات تاريخية لم يوفيها التاريخ حقها لغاية اليوم و بعد تدّرجي في الجامعة اخترت جانب التاريخ في مذكرتي على صعود تيار الجبهة الوطنية في فرنسا و اخترت مدينة مونبلييه كآخر محطة لتحضير شهادة الليسانس و اصطدمت بواقع القاسم المشترك في تاريخ هذا الحزب مع حرب الجزائر فلعلم الجميع أن معظم القاعدة النضالية لهذا الحزب من الأقدام السوداء فعلمت حينها أنني لا يمكنني معرفة الجبهة الوطنية عن كثب إلا إذا درست تاريخ الجزائر و بالأخص حرب الجزائر و كما تعلمون أن زعيم هذا الحزب الروحي هو “جان ماري لوبان” الذي شارك كمظلي في معركة الجزائر و هذا هو مربط الفرس كما أشرت و لا يخفى عن الجميع أن التيار الإشتراكي الفرنسي الذي يتغنى بالحرية و التحرر شارك شأنه شأن اليمين في مآسي الجزائر و لطخت أيادي زعمائه بالدماء و هذا ما لا ينبغي أن يتغاضى عنه التاريخ الحديث.

 

موريس أودان و زوجته جوزيت

 

الطابور الثالث خدم الثورة الجزائرية

 

بما أنك مؤرخ للفترات الإستعمارية ما تعليقك بكل صراحة على الإستعمار الفرنسي الذي يسعى حاليا المسؤولون الفرنسيون لتمجيده؟

يجب أن أكون منصفا و موضوعيا في هذا السؤال فالإستعمار يبقى إستعمارا مهما اختلفت المسميات أو المصطلحات التي تتّخفى من ورائها ومهما ادّعى المسؤولون الفرنسيون بأنهم جاؤوا للجزائر لغرض عصرنتها أو إرساء دعائم الحضارة فيها , فالواقع كان مغايرا تماما و يتقاسم البريطانيون ما فعلوه في الهند مع فرنسا نفس الأخطاء حينها فمهمتهم كانت سلبية في البلدان المستعمرة لكن لا ينبغي أن نغّض الطرف على شخصيات أوروبية هبّت لتصحيح الوضع أناذاك و كانت ضد الإستعمار و الإمبريالية و هذا ما ولّد ما أسميه قوة الدفع المغايرة أو كما أحب أن أسميها الطابور الثالث مثلما هو الشأن لأفراد الحزب الشيوعي الذين قضوا خدمة للقضية الجزائرية مثل موريس أودان .

يرى بعض المؤرخين أن الاستعمار البريطاني كان أخّف وطأة على البلدان المستعمرة عكس الإستعمار الفرنسي الذي مارس سياسة التجويع و سياسة الأرض المحروقة فما تعليقك؟

فرنسا تصرفت بجهل في الجزائر و عملت على تهديم القيم لكن يمكن القول أن نظرية ينقلب السحر على الساحر انقلبت عليها فبعض القلة القليلة أو الميكروأقلية استفادت من التعلم و استمدت من مبادئ الحرية و العدالة و المساواة و ووظفتها لصالحها و انقلبت بها على فرنسا كما هو الشأن للمرحوم فرحات عباس الذي صار زعيما روحيا و غيره كثيرون و أشاطر من هذا المنبر كاتب ياسين الذي تحدث بأن اللغة الفرنسية و كل ما تعلمه الجزائريون منها كانت غنيمة حرب .

 

مصالي الحاج أثناء إحدى المحاكمات

بصفتك مطلعا على التاريخ الجزائري من هي الشخصية التي جذبتك بقوة؟

الشخصية الأولى مصالي الحاج الذي أراه أنا شخصيا أب الوطنية فلقد ضّحى هذا الرجل كثيرا خلال سنوات العشرينات و الثلاثينات و كان مهندسا للوطنية و مكونا لفروعها أضف إلى ذلك شخصية فرحات عباس الذي لعب هو الآخر دورا مهما و شجاعا و أيضا محمد بوضياف الذي أعتبره مع أحمد بن بلة من ركائز الثورة الجزائرية.

يتبع

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram