حيث هاجر أمراء بني صُمادح ملوك ألمرية وما جاورها إلى بجاية سنة 1091 ميلادية ونزلوا بأموالهم وأهلهم وحاشيتهم في مدينة بجاية ، فأكرم السلطان الحمادي وِفادتهم وأقطعهم بلدة دلّس والتي صارت فيما بعد قبلة للمهاجرين الأندلسيين حيث بنيت فيها الدّور الفاخرة والقصور والمنتزهات وصار بها من الحدائق والثمار ما يُذكر بأرض الأندلس.
كما هاجر إلى بجاية أيضا ملوك العامريين أمام الزحف المرابطي ووجدوا في إمارة بجاية الملاذ الآمن. وبالتالي فهجرة الأندلسيين إلى الجزائر وخاصة إلى إمارة الحمّاديين ببجاية قد تحدثت عنها المصادر وتكون بذلك الجزائر أوّل قِبلة للهجرة الأندلسية منذ القرن الحادي عشر الميلادي ثم توالت الهجرات إلى أن وصل زمن الهجرة الكبرى بعد سقوط غرناطة.
لذا ليس من المستغرب أن نعثر على أثر اللسان الأندلسي في مناطق معلومة في أرض الجزائر كبجاية وتلمسان والبليدة والعاصمة، كما لا نستغرب أن نجد أحياء في عاصمة الجزائر لا تزال تعكس أثر المهاجرين الأندلسيين كحي “طاغرة” الذي يعني ببساطة ” الثغريين” وهم الأندلسيون الذين كانوا يسكنون في الأندلس ومتاخمون لأرض النصارى الأسبان وهم سكان الثغور.
والمعلوم أن الهجرات الأندلسية قد استوطنت السواحل ، كما نجد سكان “أزفون” بمنطقة القبائل والتي تعني ببساطة “العازفون” حيث نزلت جالية أندلسية بتلك المناطق وحملت معها رصيدها الفني والثقافة وأضفت على تلك المنطقة من الأنغام الموسيقية التي كانت تُعزف ليلا , مما جعل سكان البربر في تلك المناطق يتساءلون، فيردّ عليهم الأندلسيون المهاجرون نحن “عازفون للموسيقى” فأطلقوا عليهم تسمية آزفون وهي تحريف لعبارة “العازفون”.
وهي ظاهرة اشتهر بها الأندلسيون نظرا لتفشي الغناء والطرب في بلادهم كمظهر حضاري ميّز تلك الأرض فلا غرابة إذا نحن وجدنا عائلات في مناطق جيجل على سبيل المثال تحمل لقب “بني مِسلم” وعلى مقربة من بلنسية لا يزال حي بني مسلم يحمل التسمية ذاتها ، كما نجد على مقربة من ” أليكانت” اسم قُسنطينة وغيرها …
يجب التنبيه هنا أن الفاتحين للأندلس من بربر وعرب لم يغيروا أسماء المدن والقرى في الأندلس بل ما فعلوه هو تهريبها نطقا والإبقاء على أصولها .