مثلما وعدنا قراء جريدة “المقال” سنبدأ منذ اليوم و تحضيرا للألعاب المتوسطية التي ستقام بمدينة وهران خلال هذه الصائفة بتعريف مدينة الباهية التي كما يعرف الجميع أنها مدينة ضاربة في قدم التاريخ , حيث عاصرت و عايش سكانها عدة حقب تاريخية تجّلت في أحداث وثّق لها بشكل ملفت في مجلدات التاريخ القديم و الوسيط و كذا المعاصر , فمن العصر البدائي نحو العصر ما قبل الميلاد إلى غاية كتابة هذه الأسطر مّر على هذه المدينة المباركة سيل من الأحداث اخترنا توثيقها في عدة حلقات , اجتهد في جمعها و التدقيق فيها بطريقة أكاديمية الصحفي و الباحث في التاريخ الأخ محمد بن كربعة الذي ارتأى سوى بترجمتها كحلقات على صدر صفحات جريدة “المقال” و إليكم الجزء الأول….
إن البحوث التي أجريت في ميدان ما قبل التاريخ أسفرت عن اكتشاف عدد كبير من المغارات و بعض المواقد الموجودة في الهواء الطلق بمدينة وهران .
تقع جميع هذه المغارات بالسفح الجنوبي الشرقي لجبل مرجاجو الذي يحتوي على سلسلة من هضاب و تلل تقطعها الأودية و أهم هذه المغارات : مغارة ميدان التمرن على إطلاق المدافع و مغارة الثكنة و مغارة سكان الكهوف و مغارة هواء الطلق .
تقع مغارة ميدان التمرن على إطلاق المدافع بجبل يفري و بالقرب من ميدان التمرن على إطلاق المدافع و أكدت البحوث التي قام بها بالاري و دومرق بين سنة 1889 و سنة 1891 باكتشاف ثلاث طبقات مركبة في هذه المنطقة .
إحدى مغارات وهران الشهيرة بجبل إيفري
في الطبقة السفلى او الطبقة الصفراء وجدت بقايا فقريات ( مثل الخنزير و الكركدان و الحمار و الظبي و الغزال و الأروية ) و أحجار منحوتة نذكر من بينها : رأس سهم مصنوع من صوانة و قرصا صغيرا في غاية الانتظام و حدا مثلثا جميلا و قطعة من حد مثلت وحدا مثلثا من الصوان البني اللون و حدا جميلا من الصوان الأسمر يستعمل كمنشار و محكا ضاربا الى الشقرة ولم يوجد بهذه الطبقة الا حصاة وحيدة و قطعة وحيدة من قطع الزينة على شكل قرط كبير .
و في الطبقة المتوسطة أو الطبقة الشهباء , عثر على عظام رجل كهل و شاب كما عثر على بقايا فقريات ( مثل الخنزير و الحمار و الظبي و الغزال الأحمر و رخويات ( مثل الميدية و نوع اخر من الصدفيات ) كما عثر على الحجار منحوتة منها حد جميل من صوانة و محك كبير منحوت بايجاز و اداة كبيرة من الكلس و وهي عبارة عن محك كبير منحوت بايجاز و نصلين من براة منحوتة بصورة جيدة و بايجاز .
أما الطبقة العليا فاكتشف جمجمة عجوز و هيكلها العظمي كما اكتشفت هياكل عظمية لرجال كهول و شبان و أطفال و كانت قامة سكان الكهوف تتراوح بين 1,52 م و 1,79 م و بجانب الهياكل العظمية البشرية عثر على بقايا فقريات مثل البقرة الكبيرة و الظبي و الأروية و الكبش و أحجار منخوتة و تحف من العظم المصقول و تحف منقوشة و تحف للزينة و قطع من الفخار .
بقايا عظام كبش من الحقبة البونيقية
من بين التحف الحجرية المنحوتة ينبغي ان نذكر حدا كبيرا بيضي الشكل وأداة كبيرة من صوانة سوداء و قرصا هرمي الشكل يستعمل كمحك و محكين مستطيلين ومحكا صغيرا ذا شكل بيضة و شبه منحرف .
من أجمل مغارات وهران و أكثرها انتظاما مغارة الثكنة تقع حوالي 1200 م من طرف ربض ايكمول و تطل على الجانب الأيسر لواد ينحدر من جبل مرجاجو, فتحتوي على قسمين مختلفين : حجرة و معبر ’ الحجرة ذات شكل اهليجي يبلغ طولها 13,60 م و عرضها 12,60 م و ارتفاعها الأكبر 4 م و يقع المعبر على يمين الحجرة و هو مفصول عنها بواسطة جدار سميك .
إن الحفريات التي أجراها بالاري و دومرق في السنتين 1892 و 1893 م سمحت لهما باكتشاف عظام بشرية و بقايا فقريات و رخويات و أسلحة و آلات حجرية مصقولة و عظامية مصقولة و قطع فخارية ترجع إلى العهد الحجري الجديد.
تقع مغارة سكان الكهوف التي قام بالاري و تومازيني بالتنقيب عنها سنة 1881 , و في أول واد موجود على يمين الطريق التي تربط مابين وهران و تلمسان بعد ميدان التمرن على إطلاق المدافع بايكمول , يبلغ طولها 8 م و ارتفاعها و عرضها 3 م .
رسوم مغارة التمرن على إطلاق المدافع
وجد في الطبقة السفلى منها حدود و مكاشط راجعة الى الفترة الموستيرية وفي الطبقة العليا , بقايا بشرية و عظام حيوانات منقرضة غير موجودة الآن .
حفرت مغارة الغابة , التي اكتشفت سنة 1894 م في الكلس الطباشيري الراجع الى العهد الساحلي الأعلى , يبلغ طولها 8 م فغير البشر و الحيوانات النباشة , ترتيب طبقتها العليا و اكتشفت في طبقتها السفلى التي ترجع الى العهد الحجري الجديد , عظام بشرية و حيوانية و أحجار منحوتة و أحجار مصقولة و تحف و الفخار .
اكتشف في المغارة الجميلة التي القي عليها اسم مغارة الهواء الطلق , عظام و فأسان مصقولان و قطع من بيض النعام .
و بجانب المغاور التي سبق ذكرها نجد بوهران و ضواحيها مواقد في العراء ترجع هي الأخرى الى ما قبل التاريخ , و اشهر هذه المواقد : مقبرة الحلزون و المحطة المدفعية الاسبانية , و محطة المدفعية الاسبانية القديمة .
تقع مقبرة الحلزون جنوبي رأس كورالس و بالقرب منه , في نواحي الشريم حيث يبدأ الشط الذي يمتد من جهة الغرب إلى الأندلسيات .
أطلق عليها هذا الاسم لوجود عدد كبير من صدفات الحلزون في موقعها و تشتمل على حوالي ثلاثين موقدا عادية مكونة من أحجار يبلغ حجمها جمع الكف , مرتبة على طبقة أو طبقتين لتكون دائرة يتراوح قطرها بين 40 و 50 سم و على بقايا مواقد كبيرة تمتاز بالمساحة الواسعة التي تحتلها الأحجار المبعثرة .