بقلم الأستاذ الدكتور العربي بوعمامة
الحفاظ على الهوية والأمن الثقافي مسائل جد حساسة ومهمة , وتعتبر المعالم والشواهد التاريخية هي مورد والعنصر الأساسي لهذه الهوية ، التي تمنحنا التميز ، ومصدر لكل أمن ثقافي للمجتمع.
فالحفاظ على التراث يُعتبر من أولى الأولويات على الإطلاق لهذه السيادة ، فكثير من مدن الجزائر تحتضن بأثار ومعالم تاريخية ذات أهمية منها مدينة وهران التي هي حاضرة ثقافية وعلمية شهدت تعاقب عدة حضارات وكانت محل أطماع الكثير من الدول .
لكن مقاومتها للعدوان ورباط علمائها ونخبها للدفاع عن هذه الثغور ترك لنا شواهد عديدة مازالت لحد الساعة صامدة لتكون شاهدا على المقاومة والتحرير.
وتحرير وهران الثاني يعتبر أكبر حدث تاريخي رسم معالم المدينة وحافظ على وحدة الجزائر , هذا الفتح الذي تم على يد الباي محمد بن عثمان الكبير يعتبر حدثٌ تاريخي مِفصلي في تاريخ المدينة.
وميزة هذا التحرير أنه استطاع من خلاله الباي بجيشه النظامي أن يقبل انضمام طلبة وعلماء الذين تطوعوا من أجل إخراج “الكافر” من وهران.
أثناء الحصار والعمليات الحربية سقط الكثير منهم شهيدا و أمر الباي أن يتم دفنهم في مقبرة خاصة بهم .
ونجد أن مقبرة الطلبة الكثير من المصادر أشارت إلى وجودها في مدينة السانيا , وبعد جهد تم تحديد مكانها رفقة مجموعة من الباحثين وتكلفت البلدية أنذاك ببناء جدارية كتبت نصها رفقة الزميل الدكتور بومدين بوزيد , في ملتقى نظمته وزارة الشؤون الدينية .
و تم زيارة المقبرة بصفة رسمية من طرف وزير الشؤون الدينية حينها الدكتور بوعبد الله غلام الله , و تم الإلتزام من طرف السلطات المحلية بتسييج المقبرة وأن تكون في وضعية تسمح بإدراجها كمعلم تاريخي في المدينة.
لكن بعد مرور الوقت تدهورت الحالة التي كانت موجودة عليها في الأول , و من خلال الزيارة التي قمنا بها اليوم لاحظنا جرف لأتربة وعدم وضع سياح ليحفظ حدود تلك المقبرة .
فهل معلم مثل هذا يخّلد ذكرى وطنية يبقى في هذه الحالة ؟ ، وهل من الإنصاف أن نكرم هؤلاء الشهداء بهذه الطريقة .
وحتى ضريح صاحب هذا التحرير محمد بن عثمان الكبير بعد أن تم نقل رفاته من المدرسة المحمدية إلى جهات مجهولة من طرف القوات الفرنسية لطمس كل معالم التحرير والمقاومة في المدينة , لم نستطع حتى أن نضع له معلم نعّرف بإنجازه العظيم في وحدة الجزائر و في تحرير المرسى الكبير و وهران من الإحتلال الاسباني .