ما قل ودل

سعيد كعباش…رِحْلة إصلاح وحياةٌ في رحَاب العِلم

شارك المقال

أهداني فضيلة الشيخ سعيد كعباش -أطال الله عمره وبارك فيه- كتاب مذكراته “رحْلة العُمر” منذ سبع سنين، وحينها كنت اطّلعت على بعض من تفسيره للقرآن الكريم “نفحَات الرّحمان في رياض القرآن” قبل طبعه ثانية بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف.

حين أشرفت على إصدارات تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، كما راسلني بخطِّ يده المباركة رسائل تعبّر عن المحبّة والأخوة.

كتب مذكراته وهو يشارف على الثمانين حولاً، قرأت سرديته عن تحصيله للعلم وإصلاحه وجهاده ووطنيته وأتذكر الذين كتبوا عن حياتهم من العلماء وعاشوا ظروفاً مشابهة في معاناة شظف العيش وغبن الحياة من أجل التحصيل المعرفي .

فهو من سلالة “آل سيعد” من فروع أولاد باكة، من أهل العطف (غرداية)، تيتّم من الأب وهو صغير ورعته أمه التي يبّجلها طاعة ومحبة، وكانت سنده من أجل رمق العيش ومزاولة الدراسة.

عاش الفقر والحاجة والغبن وتحدّى كل ذلك واشتغل عند أبناء عمومته أجيراً في محلاّت التجارة بالجلفة والعاصمة، وعاد بعد خمس سنوات لبلده وشوقه أن يلتحق بمعهد الحياة بالقرارة (غرداية).

وساهم في تأسيس “جمعية النهضة” التي ترأسها الشيخ بن يوسف سليمان وزكاها وباركها إمام الإصلاحيين الشيخ بيوض .

إنتقل إلى تونس وهناك يجد صعوبة معادلة شهادة معهد الحياة التي لم يكن معترفاً بها وصبر وصابر وتعلم خارج النظام الرسمي على يد كبار المشايخ ومنهم الشيخ محمد الفاضل بن عاشور والبشير النيفر ومحمد اللقاني.

ثم بعد ذلك دخل الامتحانات وصار نظامياً، ويعود إلى بلاده ليساهم في الإصلاح والتدريس ويقضي عشر ساعات يومياً في التدريس والوعظ والإرشاد، وأهم دروسه في التفسير وشرح مسند الربيع بن حبي .

و ما يلفت الانتباه في المذكرات أنه كان حريصاً على تعليم البنات، وهي رؤية إصلاحية على مستويات اجتماعية وسياسية جعلته يدخل في صراع مع التقليديين سواء على مستوى المؤسسات الدينية والاجتماعية.

حين صار عضواً فيها منها مؤسسة “عمي سعيد” أو “العزابة، وهي الرّوح التي جعلته يلجأ إلى اتفاق مع الأخوات المسيحيات بغرداية بتعليم البنات تكويناً مهنياً وقد كانت المنطقة في حاجة إلى مدرسات في التكوين المهني .

تميّز مفسرنا للقرآن بقول الحق وعدم المهادنة، شارك في ثورة التحرير، وتحدّث عن “خيانة بلونيس”، وتحمّس لإقامة أوّل صلاة جمعة سنة 1971 بالقرارة، وعارض الثورة الزراعية وانتقد انحرافات النّظام.

وكان ضدّ العهد الرابعة للرئيس بوتفليقة السّابق، كما انتقد الربيع العربي وسمّاه “المأفون” وكان ضدّ الفتن التي حدثت بمنطقته واعتبرها جريرة السّفهاء وعوامل غير بيّنة للعيان .

إن شيخنا سعيد كعباش مثال للذين جاهدوا من أجل العلم ولقمة الحلال، كما أنّه استمرار لتلك الرّوح التجديدية التي تميّز بها الرّواد من أمثال عبد العزيز الثميني- والحاج امحمد اطفيش والإمام بيوض- رحمهم الله

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram