الدكتور عبد الحق فيدمة – أستاذ جامعي –
منذ بدء المفاوضات العديدة بين الروس و الأوكرانيين من 28 فيفري إلى غاية نهاية مارس 2022 و فشل كل المساعي الديبلوماسية بشأن الأزمة بحيث التقى الوفدان مرات عديدة أولا على الحدود الأوكرانية البيلاروسية في مكان غير معلوم في غومل أوبلاست ثم جولة ثانية يوم 10 مارس في تركيا قبل جولة أخرى بدأت في 14 مارس بالإضافة إلى الوساطة التي قامت بها كل من فرنسا والكيان الصهيوني.
ما يقارب ال 20 يوما من المفاوضات فشلت كلها في إيقاف الحرب بحيث ظهرت المواقف متباعدة و صعبة حيث صرّح المفاوض الأوكراني أن موسكو تمارس قمعا مطلقا بعد لقاء ديمترو كوليبا وزير الخارجية الأوكراني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في تركيا قبل أن يعلن إنتهاء المفاوضات دون أي نتيجة .
يجمع الكثير من المحللين أن القوات الروسية التي تحرز تقدما على الأرض تحاول خلق وضعا صعبا للأوكرانيين يكون حافزا لحسم المفاوضات لصالحها فروسيا تسعى للسيطرة على كامل أوكرانيا و في أسوأ الأحوال السيطرة على أجزاء كبيرة منها .
وبذلك سيفرض الروس أنفسهم كذلك على المستوى الديبلوماسي و يحسمون المفاوضات لصالحهم و يشير بعض المحّللين أن تدّخل أمريكا عقّد الأزمة بحيث تسعى لفرض رؤيتها على أوكرانيا و ساهم في تعنت طرفي المفاوضات وتباعد المواقف.
و يشّكل عدد الفاعلين في الأزمة عائقا فعليا في العملية السياسية كالإتحاد الأوروبي الذي يدّعم الجيش الأوكراني و أمريكا التي تقّدم الدعم الإستخباراتي و العسكري في الميدان.
و مما لاشك فيه أن الديبلوماسية الجزائرية عاشت عصرا ذهبيا في السبعينيات و الثمانينات و لعبت دور الوساطة في كثير من الأزمات أبرزها أزمة الرهائن الأمريكيين في إيران و تسوية النزاع بين إيران و العراق عام 1975 وإنهاء أزمة الطائرة الكويتية المختطفة عام 1988.
و قد لعب الموروث الثوري دورا في تحقيق هاته المنجزات الديبلوماسية إلا أن هدا الدور انتكس و تراجع لأسباب عدّة قبل أن تحاول الجزائر في الفترة الأخيرة العودة مجددا على الساحة الإقليمية و الدولية من خلال أزمة سد النهضة و الأزمة الليبية و غيرها.
إن إمكانية تدّخل الديبلوماسية الجزائرية في الأزمة الأوكرانية متوقف على مدى إقدام النظام السياسي على فرض نفسه من خلال إستغلاله لعديد الأوراق و توظيفها عقلانيا و براغماتيكيا و إعادة تموقعه من جديد بين القوى الدولية الكبرى التي بدأت تكشف عن أنيابها , فأمريكا بدأت تهّدد الصين في حال مساعدة روسيا عسكريا .
الجزائر التي تقف على مسافة واحدة من الجميع امتنعت عن التصويت في الجلسة الأخيرة لمجلس الأمن حول الحرب و هذا يعّزز موقفها مستقبلا في حال قيادتها للوساطة السياسية.
إن الأحداث المتسارعة دوليا تجعل النظام السياسي الجزائري أمام فرصة لإعادة إنتاج صورته الدولية من جديد بعد الرغبة القوية في الرجوع إلى الساحة الدولية بعد سنوات الأنغلاق و الإنسحاب من الساحة الدولية بفعل غموض المشهد السياسي داخليا .
و لا شك أن المكانة التي تحظى بها الجزائر لدى شركائها مثل الصين وروسيا و تركيا و الإتحاد الأوروبي و العلاقة التقليدية القوية مع كل من روسيا و الصين و بدرجة أقل مع أمريكا هذا إلى جانب أهمية الجزائر في سوق الطاقة الدولي كمّمون مهم بالغاز والبترول للسوق الدولية كل هذا سيجعل الجزائر محّل ثقة الجميع في حال تقدمها بمبادرة سياسية لحل النزاع وقيادة الجهود الديبلوماسية .