مثلما يعلمه العام و الخاص فإن بين إفريقيا و أوروبا ماض مشترك نهب من خلاله متحضرو القارة العجوز خيرات و ثروات القارة السمراء و لا تزال لحد الآن معاملة أوروبا اتجاه سكان مستعمراتها القديمة لا تحيد عن معاملة السيد اتجاه العبيد , و لعل المعاملة التي خّص بها الأوكرانيون الأفارقة خلال حملات النزوح جرّاء القصف الروسي لمغادرة البلاد لخير دليل على أحقر المعاملات و التمييز العنصري في القرن الواحد و العشرين .
و ازدادت مثل هذه المعاملات حتى على الصعيد الإعلامي أين تخوض عدة وسائل إعلامية غربية من الوزن الثقيل حملة شعواء على عدد هام من الدول الإفريقة التي امتنعت عن التصويت لصالح أوكرانيا خلال الجمعية العامة الأخيرة للأمم المتحدة , حيث وصفت عدة قنوات إعلامية غربية هذا التصرف بمثابة عدم انضباط و عصيان اتجاه سادة الأمس .
حيث أن أمريكا بمعية الدول الغربية لم تهضم عدم تصويت 27 بلدا إفريقيا لصالح القضية الأوكرانية , و تعتزم مثلما تشير إليه الأصداء وزيرة الدفاع الألمانية السابقة التي أصبحت رئيسة المفوضية الأوروبية منذ عام 2009 أورسولا فان دير لاين لإتخاذ إجراءات عقابية على كل بلد إفريقي لم يصوت أو صوت ضد الإجراءات التي اتخذتها الأمم المتحدة بشأن الأزمة الروسية الأوكرانية .
و تأتي مقدمة هذه الإجراءات العقابية في حرمان الدول الإفريقية من الإعانات المالية التي كانت تحصل عليها من أجل دعم البرامج التنموية على مقاس منطق أورسولا فان دير لاير “كل من ليس معنا هو ضدنا ” , هذا التصرف الأرعن قابله التشادي موسى فاكي رئيس مفوضية الإتحاد الإفريقي الذي سبق له مباركة انضمام الكيان الصهيوني كعضو ملاحظ في المنظمة القارية بكثير من الإرتياح حيث يأمل على إعادة توزيع هذه الإعانات على دول أخرى .
للتذكير أن قرار موسى فاكي بشأن انضمام الصهاينة كاد أن يقّسم الإتحاد الإفريقي إلى معسكرين بين مؤيد كالمغرب و جمهورية الكونغو الديموقراطية و معارض كالجزائر و حلفائها من أمثال جنوب إفريقا الذين نجحوا في تجميد القرار في نهاية المطاف .
و أصبحت عبارة ” أنتم معنا أم ضدنا ” هي العملة التي أضحى يتعامل بها الأوروبيون اتجاه المستعمرات القديمة ضاربين بذلك عرض الحائط كل الشعارات الرنّانة التي كانوا يتغنون بها قبيل الأزمة في أوكرانيا كعدم التدخل في سيادة الدول و استقلالية قراراتها و كذلك الديموقراطية الزائفة .
و من أجل معرفة فهم تصرفات الأوروبيين اتجاه الأفارقة ينبغي طرح التساؤلات على غياب الإجراءات العقابية من قبل الإتحاد الأوروبي اتجاه التصرفات العنصرية للأوكرانيين بخصوص التمييز في الترحيل بين الأفارقة و البيض خلال بداية القصف الروسي للمناطق الأوكرانية المتضررة حيث عزف الأوروبيون حيث عزف الأوروبيون لحن التنّكر للحادثة عوض الإستنكار .
للتذكير أن القرارات التي كانت تتخذ من قبل الغربيين في السابق اتجاه القارة الإفريقية خلال مختلف الإجتماعات و القمم الأوروبية أو الأممية لم يكن يستشار من خلالها الأفارقة و كأن أمر القارة السمراء لا يعنيهم , حتى عندما قرر مجلس الأمن التدخل العسكري من أجل غزو ليبيا لم تكن هناك مشاورات مع البلدان الإفريقية .
و إذا كان الحلف الأطلسي يتعنتر كالفارس المغوار في الشأن الإفريقي فليكمل على نفس المنوال فيما يخص الحرب الحالية التي تدور رحاها في أقصى الشرق , و لماذا في هذا الوقت بالذات أصبحت أصوات الأفارقة ذات وزن في حين لم يكن يصغى لهم في المواضيع السابق ذكرها .
و ما زاد الطين بلة في قضية الحرب الأوكرانية الروسية هو قيام عدة قنصليات أوكرانية المتواجدة في البلدان الإفريقية بفتح باب الهجرة لأوكرانيا من خلال التطوع للخدمة في العمل المسّلح لفائدة الجانب الأوكراني , و هو ما يتطلب إجراءات عقابية ردعية ضد سياسة زلينسكي التي تعود بالأذهان للعهود الإستعمارية التي كانت تستخدم فيها أوروبا الجنود الأفارقة كدروع بشرية يلقى بهم في الصفوف الأولى من خطوط النار .
و رئيسة المفوضية الأوروبية مطالبة بمعاقبة جون كريستوف بيليار السفير الفرنسي في ساحل العاج ايضا الذي تجاوز حدود اللباقة الديبلوماسية و كال السّب للأفارقة خصوصا البوركينابيين و الماليين و النيجيريين علنا خلال تدخل تلفزيوني في إحدى القنوات الإيفوارية و لم يلق تصرفه هذا أي استنكار من قبل أورسولا فان دير لاين التي من الأجدر لها أن تجّرم وقوع عدة أفارقة في جحيم العبودية بليبيا في الوقت الراهن حيث أن العقوبات يجب أن تكون مزدوجة و ليس من جانب واحد .