اعتبر مجمل الأكاديمون من أساتذة جامعيين و مؤرخين و كذا باحثين و مجاهدين و أبنائهم و أبناء الشهداء إضافة إلى كل من حضر الندوة التي احتفت بالعملية المسلحة التي خاضها الرعيل الأول من المجاهدين على مركز بريد وهران , و التي تمت بتاريخ الخامس من أبريل سنة 1949 بالعمل الفدائي النوعي الذي كان إرهاصا لميلاد ثورة تحريرية مباركة جعلت من المستحيل حقيقة و حقّقت الغرض بطرد فلول الإستعمار بلا رجعة من الجزائر .
ذات التظاهرة التاريخية التي أقيمت بمقر منظمة المجاهدين و التي حملت الصبغة العلمية و الأكاديمية أشرف على تنظيمها المكتب الولائي لمنظمة أبناء المجاهدين بمدينة وهران الذي يترأسه الدكتور مراد غزالي بالتنسيق مع منظمة و مديرية المجاهدين , حيث كانت المناسبة فرصة لإلتقاء زمرة من المجاهدين و المجاهدات الذين خدموا الجزائر بالنفس و النفيس و لم يبدلوا حبها تبديلا لغاية يوم الناس هذا .
و على عكس الندوات التاريخية السابقة التي احتفت بالحدث تميزت ذكرى هذه السنة باستضافة أبناء و بنات من قاموا بالعملية الفدائية النوعية الشجاعة التي اعتبرت النواة و اللبنة الأولى للثورة التحريرية المجيدة , حيث دوّخ من خلالها شبان من عيار آيت أحمد و بن بلة و خيثر و بوشعيب و بن نعوم بن زرقة السلطات الإستعمارية التي لم تشك و لو لحظة بأن أصحاب هذا العمل البطولي هم جزائريون .
بداية الندوة التي تمت بالتنسيق مع منظمة أبناء المجاهدين و مخبر المخطوطات بجامعة وهران أحمد بن بلة 1 جاءت بعد كلمة افتتاحية أوجز من خلالها الدكتور منصوري حول القيمة الروحية لهذا العمل النوعي الذي نفذه شباب في مقتبل العمر حينها الذين أبوا إلا أن يكونوا هم الشرارة الأولى لشعلة تحريرية لم تنطفئ حتى أتت على استعمار عمّر لمدة قرن و إثنان و ثلاثون ردحا من الزمان .
و لعل أبرز ما أعجب به الحضور من سلطات مدنية و عسكرية و كذا محلية خلال المحاضرات التي تناوب على إلقائها أساتذة جامعة وهران هو منطق الأرقام و التحليل التاريخي المستند على وثائق تاريخية و كذا شهادات من عايشوا الحدث من الجزائريين , و أيضا الكتابات الصحفية للجانب الفرنسي في الماضي و حتى في العصر الراهن و هو المحور الذي اتخذته الدكتورة حصام صورية التي أرّخت للعملية انطلاقا من كتابات الفرنسيين حيث رأتها بأنها كانت فيها نوع من التمييز في الجانب التأريخي و اعتبر الفرنسيون ما قام به المجاهدون بمثابة سرقة بينما المعنية اعتبرته ردا لأموال الشعب ليس إلا .
و تناول بعدها الكلمة الأستاذ محمد بلحاج الذي عاد بالحضور عبر عجلة الزمن في كرونولوجيا ممتعة حيث شرح بالتدقيق و بالأرقام المرفقة بالصور لحيثيات و إحداثيات هذا العمل البطولي , و تعرض كذلك لبيوغرافيا الأشخاص الذين قاموا باسترداد غيض من فيض و جزء من الكل الذي سيطرت عليه فرنسا الإستعمارية حيث رغم عدم حصول المجاهدين على مبالغ طائلة جراء عدم انفتاح الخزنة الكبرى للمال المودع في مركز البريد , إلا أن النزر القليل من الأموال التي تم تهريبها نحو العاصمة ثم نحو مدينة غدامس الليبية كانت كافية لشراء 254 قطعة من السلاح كانت كافية للتخطيط لإنطلاق ساعة الصفر من ثورة أول نوفمبر المباركة .
و خاض بعدها الأستاذ محمد بن جبور في محور موازي للندوة حيث إضافة إلى اعتباره العملية المسلحة كانت نوعية أضاف أيضا بأنها كانت أول ندّية بين المجاهدين و القوات الفرنسية في عقر دارها , أي في وسط مدينة وهران أين كانت فرنسا الإستعمارية لا تشك و لا دقيقة في أن العملية من تنفيذ جزائريين بل نسبت بادئ الأمر العمل لعصابة إسبانية تحترف السرقة و بعدها نسب العمل لأحد سارق البنوك المشاهير , لكن بعد مرور عام علم المستعمر أن ما قام به الشبان الجزائريون ما هو إلا إيذان بعمل مسلح ذو وقع كبير سوف ينجلي من خلاله ظلام الظلم الذي خيم على الجزائر لمدة 132 سنة .
و ما استخلصناه من خلال ذات الندوة التاريخية التي تخللتها شهادات لمن عايشوا الحدث هو الإضافات النوعية التي تدّعمت بها هذه العملية الأسطورية المجيدة التي أرّخت لميلاد ثورة مباركة , و ذلك من خلال إعادة قراءة التاريخ بصفة أكاديمية من خلال أبحاث في عمق الذاكرة استند من خلالها الأساتذة على أرشيف يحاكي الوقائع مثلما هي و بكل شفافية لتكون بالتالي هذه التظاهرة التاريخية العلمية إيذانا لتمجيد الذاكرة الجزائرية و إزالة مختلف الشوائب التي علقت بها عبر الزمن .