خرج علماء آثار إسبان مؤخرا ليدحضوا فرضية فتح الأندلس بصفة رسمية مع دخول الفاتح الجزائري طارق بن زياد من عدوة المغرب نحو شبه الجزيرة الأيبيرية , حيث أن الواقع حسبهم غير ذلك و يشهد أحد شواهد قبور أحد المسلمين الأوائل و الذي دوّن عليه تاريخ وفاته بكتابة كوفية ظلت صامدة لحد الآن و التي تؤّشر إلى أن صاحب القبر يدعى أحمد بن فهر و المتوفى في سنة 648 ميلادية أي ستة عشر سنة بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه و سلم و بالتحديد في عصر الخليفة الراشد عثمان بن عفان .
و من خلال طريقة الدفن لصاحب القبر و كتابة الآيات يقول علماء الأثار الإسبان يبدو أنه كان للمسلمين تواجد في بلاد الأندلس ما قبل الفتح العسكري الذي قاده موسى بن نصير و القائد العسكري طارق بن زياد , و يجعلنا هذا الإكتشاف التاريخي الذي أعلن عنه مؤخرا في مدين شاطبة شرق الأندلس نعيد جميع ما درسناه في حصص التاريخ و نصّحح جميع المعلومات التي وصلتنا عبر كتب التأريخ .
و استخلاصا لما سبق ذكره و وقوفا على الشاهد القبوري المكتشف في مدينة شاطبة مؤخرا نستطيع استنتاج أن من قام بالنقش هو حرفي محلي, متمكن من اللغة العربية و من القرآن , مما يدفعنا للتفكير بأن سنوات عديدة قبل هذا التاريخ وصل لشرق الجزيرة الأيبيرية بعض المسلمين المعاصرين للنبي محمد صلى الله عليه و سلم داعين للدين الجديد.
مؤسسين جماعات إسلامية صغيرة علّموا فيها اللغة العربية و القرآن لسكان تلك المنطقة و فيما يخص خصائص الشاهد يبدو أن المتوفى كان ذو مكانة رفيعة, ربّما هو قائد هذه الجماعة الإسلامية الصغيرة و جاء قبل سنوات من الجزيرة العربية .
و ما جاء هذا الاكتشاف ليؤكده و ينفض عنه غبار الشك هو وجود جماعات إسلامية شرق شبه الجزيرة قبل سنة 711م , وقد استشعر ذلك المؤرخ إيغناثيو أولاكوي في مؤلفه (الثورة الإسلامية في الغرب) مبرزا قدرة كبيرة على التحليل: ” لا نعلم شيئا عن انتشار النصرانية بالجزيرة الأيبيرية خلال القرون الأولى, فقد برزت فجأة في القرن الرابع و كأنها نجمت عن انفجار , نفس الشيء حدث مع انتشار الإسلام , فأمام غياب النصوص اللاتينية و العربية خلال قرن و نصف, أقل ما نستطيع استنتاجه أن الدعوة إليه تمت في وسط ملائم عبر دعاة غامضين لم يتركوا لهذه الحركة الدعوية ملامح تُذكر “.
و يأتي هذا الإكتشاف لهذا الشاهد القبوري ليذّكرنا بأن الأندلس ياقوتة الفتوحات الإسلامية التي ضيعها المسلمون بعد زهاء ثمانية قرون لا يزال تاريخها محفوف بألغاز التواجد الإسلامي على ترابها .
و كأنها تحّن لسنين من الفكر و الرقّي و التطور الذي قاده علماء مسلمون غيروا مجرى التاريخ , و يكفيهم فخرا أنه قال فيهم الفيزيائي صاحب جائزة نوبل بيير كوري أنه لولا حرق كتب المسلمين , لأصبح سكان الأرض يتنقلون ما بين المجرات في إشارة لاستلهامه منهم نظرية الإنشطار الذري , فلّله ذر الأندلس و الأندلسيين و رحم الله أيام عبد الرحمن الداخل و الحاجب المنصور .