لم تقتصر الثورة الجزائرية المظّفرة على الجهاد المسّلح في الجبال و الغابات و الأحراش و الصحاري ضد العدو الفرنسي فحسب , بل انتقل صداها حتى لعالم الرياضة التي ساندت المسار المسّلح عبر تقّمص رياضيو تلك الفترة للألوان الوطنية حتى من قبل الإستقلال و كان الولاء للجزائر و للقضية الوطنية أكبر حجما من الولاء للأموال و التتويجات العالمية .
قصة اليوم نستقيها لكم من أرشيف الأبطال العالميين في الفن النبيل , و بطلها شريف حامية شاب جزائري من مواليد مدينة الجسور المعلقة. تعّلم أبجديات الملاكمة كأقرانه في تلك الفترة الإستعمارية أين كانت رياضة الدفاع عن النفس هاته مقياسا للتغّلب على الفرنسيين في حلبات النزال قبل المواجهة العسكرية الحتمية .
بطلنا كتبت عليه الصحافة العالمية في مجال الفن النبيل حيث بعد مشوار حافل في صنف الهواة الذي أنهاه بلا هزيمة , استطاع أن يصنع له إسما في رياضة الملاكمة و انتقل بإيعاز من المناجرة العالميين حينها نحو باريس , و لم يخيب ظّن من راهنوا حول مستقبله في الحلبة العالمية حيث بات يسقط الأبطال الفرنسيين بالضربات الفنية القاضية الواحدة تلو الآخر.
و أصبح عن جدارة و استحقاق كبيرين بطل فرنسا و أوروبا و لم يترك حزاما أو لقبا في القارة العجوز إلا و استحوذ عليه , حتى استدعي من قبل منّظمي مباريات الفن النبيل العالميين في العالم الجديد أين توجه البطل الجزائري نحو الديار الأمريكية , و هناك أطلق عليه لقب “بايبي فايس ” أي ذو الوجه الطفولي الباسم حيث كان وسيما للغاية و لم يتأثر وجهه بالضربات نظرا لخفته و مقدرته العالية على تفاديها , و ظل محافظا على وسامته و رشاقته في آن واحد.
حيث خلال جولة رياضية عبر أمريكا و كندا استطاع شريف حامية أن يقهر أعتى الخصوم في البلدين المذكورين المفروض أنهما مهد الفن النبيل العالمي , أين استطاع هزيمة بطل العالم في وزن الريشة “57كلغ” الكندي بوبي بيل و أيضا أطاح في مفاجأة مهولة كتبت عليها الصحافة الأمريكية بإسهاب حينها و أسمتها بالفضيحة عندما أطاح ببطل العالم “ساندي سادلر” الذي لم يهزم قط .
و خلال هذا الجو المليئ بالتتويجات و الألقاب العالمية و بحكم أن بطلنا ذو أصول جزائرية , لم تكن فرنسا ترغب في تنظيم نزال عالمي لشريف حامية كي يبقى مجد الملاكمة العالمية حبيس أدراج ذوي الأصول الفرنسية , ضف إلى ذلك بأنه حتى أبطال العالم من مقاس “شارل هوميز” لم يكونوا يريدون منازلة حامية مخافة خسارة ألقابهم لأن النتيجة كانت محسومة قبل الصعود إلى الحلبة .
و كانت سنة 1958 المرحلة الفاصلة التي صنع فيها هذا البطل تاريخ المجد و هو العام الذي فّر فيه رفقاء رشيد مخلوفي و قدور بخلوفي و غيرهم من عيار الإخوة سوخان و معوش من أجل تأسيس فريق جبهة التحرير الوطني , حيث أن القضية الجزائرية باتت معروفة على الصعيد الدولي بعد مؤتمر باندونغ و كانت من أوامر جبهة التحرير الوطني عدم صعود العلم الفرنسي بإنجاز سواعد جزائرية .
لكن بعد إلحاح ملكة بريطانيا “إيليزابيت” شخصيا التي كانت معجبة بأداء الملاكم الجزائري , أرادت تنظيم نزال عالمي ضد الملاكم البريطاني ذو الأصل النيجيري “هوجان كيد باسيي” و بعد جهد جهيد تم برمجة النزال الذي لقي حينها تغطية إعلامية عالمية ضخمة , و كعادة البطل الجزائري لم يستطع خصمه مجاراته طيلة ثمانية جولات لكن ما حدث بعدها يدخل في خانة العجائب و الغرائب الرياضية لحد الآن .
حيث شوهدت إحدى السيدات الأنيقات و التي كانت بالقرب من الحلبة أين كان المشاهدون المتواجدون في عين المكان , و حتى من وراء شاشات التلفاز ينتظرون فوز شريف حامية الذي سيطر بالنتيجة على الجولات الأولى و بأداء عالمي راقي و هي توشوش له أثناء فترة الراحة بين الجولات .
و بعدها بجولة فقط انخفض أداء شريف حامية و فضّل تلقي الضربات و آثر عدم صّدها , و ذلك أمام استغراب و استهجان كل من تابع النزال , حيث فضّل حامية السقوط بالضربة القاضية طاعة لأوامر جبهة التحرير الوطني التي أرسلت له مع تلك السيدة رسالة شفهية مفادها عدم التتويج العالمي بالألوان الفرنسية , و في غمرة التفوق حوّل شريف حامية النصر إلى هزيمة خدمة للقضية الجزائرية .
فألف رحمة تنزل على هذا البطل الهمام الذي بذّل الرخيص بالغالي و بصم على مشوار رياضي عالمي و وطني بامتياز خدم من خلاله دينه و أصله و وطنه , و من أمثال شريف حامية كثيرون يفخر بهم أرشيف الرياضة الجزائر فالمجد كل المجد و الخلود للشهداء الأبرار و للرياضيين من أمثال هؤلاء الأخيار .