ما قل ودل

أسلافنا ذهبوا لأوروبا فاتحين…و شبابنا يقصدونها لاجئين غير مرحّب بهم

شارك المقال

يقال دائما أن التاريخ لا يمكن محوه مهما فعل المزّورون فلا أحد ينكر أن ثمانية قرون التي قضّاها المسلمون في الأندلس كانت فأل خير ليس على الإسبان لوحدهم بل حتى البشرية جمعاء , و لولا كيد الكائدين و تخادل العرب المسلمين من الجهة العسكرية و انقسامهم لشيع و طوائف و اهتمامهم بالملّذات و النزوات و المعصيات لأصبح للعالم عنوان آخر لما وصل إليه الأندلسيون من علوم في شتى المجالات .

و هذه الإعترافات لم تأت من لدن العرب المسلمين أنفسهم فلو كان ذلك لأصبح مضاه ذلك للبكاء على الأطلال , بل جاء من قبل أحفاد من حقدوا على إنجازات الأندلسيين و من أحرق كتبهم العلمية , حيث قالها بصريح العبارة بيير كوري صاحب جائزة نوبل في الكيمياء أن اكتشافه هو و زوجته ماري للإنشطار الذّري الذي صاحبه بعد ذلك النووي لم يكن ليحدث لولا ما نقله من كتب المسلمين التي نجت من محرقة باب الرملة في غرناطة التي نفذها القساوسة الإسبان بمباركة فيرناندو و إيزابيلا .

و بات الفرنسيون أنفسهم يتمنون لو انهزم ملكهم شارل مارتل أمام عبد الرحمن الغافقي في معركة بلاط الشهداء , لأنه حسب المستشرق جوستاف لوبون فإن باريس كانت ستكون عاصمة العلوم و الحضارة , حيث أعاق هذا الإنهزام حسبه تقدم العرب المسلمين و حجب نور المعرفة على فرنسا لقرون من الزمن كان من خلالها الفرنسيون يقضون حوائجهم البيولوجية في شوارع باريس في حين ناهز عدد حمامات مدينة قرطبة الألف حمام .

و كتب المستشرق ستانلى لين بول في كتابه “قصة العرب فى إسبانيا” (1886) ما يلي : “ملك المسلمون شبة الجزيرة وسموها الأندلس وأنشأوا بها مملكة قرطبة العظيمة التى كانت أعجوبة العصور الوسطى، والتى حملت وحدها فى الغرب شعلة الثقافة والمدنية، متألقة وهّاجة، وقت أن كانت أوروبا غارقة فى الجهالة، فريسة للشقاق والحروب. ويجب ألا يجول ببال أحد أن العرب عاثوا فى البلاد أو خربوها كما فعل قطعان المتوحشين قبلهم. إن الأندلس لم تحكم فى عهد من عهودها بسماحة وعدل وحكمة كما حكمت فى عهد العرب الفاتحين”.

وقال المستشرق الإنجليزي جوزيف ماك كيب واصفا الأندلس في كتابه “مدنية المسلمين في إسبانيا” (1927) : “كانت مزدهرة بالعمران، وكانت حديقة تفوق الوصف في النتاج، وكان فيها تسع من أمهات المدن، وثلاثة آلاف مدينة متوسطة، وعشرات الألوف من القرى، وكان على شواطئ نهر الوادي الكبير فقط إثنى عشر ألف قرية. ومع أن السير في ذلك الزمن لم يكن سريعا فقد قال المؤرخون كان السائر في بلاد إسبانيا لا يسير مسافة يوم إلا ويمر على ثلاث مدن، وأما القرى فكانت لا تنقطع تقريبا، وكانت على أحسن حال من العمران”.

من جانبه، كتب رينهارت دوزي مستشرق هولندي كبير في كتابه “تاريخ المسلمين في إسبانيا” (1881) قائلا : “لقد كان الفتح العربي نعمة بالنسبة إلى إسبانيا، لأنه أدى إلى ثورة اجتماعية مهمة، وأزال قسما كبيرًا من المساوئ التي كانت إسبانيا تئن تحت عبئها منذ عصور طوال. فلقد كان العرب يحكمون بحسب المنهاج التالي : لقد خففوا عبء الضرائب بالنسبة إلى الحكام السابقين، وانتزعوا من أيدي الأغنياء الأرض التي كان يتقاسمها الإقطاعيون ويزرعها الفلاحون الأقنان أو العبيد الناقمون، ووزعوها بالتساوي على من كانوا يشتغلون فيها “.

و من خلال هذا العمود نسعى لإستذكار ما قام به أجدادنا العرب من فتوحات و نشر للعلم بمختلف ميادينه , حيث كانت كل من بجاية و وهران و تلمسان و أيضا عدة عواصم عربية مقصد لهجرة الأوروبيين حينها .

و اعتراف ليوناردو دي فانشي بنهله أصول العلم في مدينة الحماديين  لخير دليل على ذلك فلماذا انقلبت الآية و بات كل ما جرى ما كان , و لماذا انقلبت الأمور على شبابنا الذين قدم أسلافهم إلى أوروبا فاتحين و الآن بات الجيل الحالي يذهب لأوروبا لاجئا غير مرحب به .

المصدر: عن Stanley Lane-Poole ; Joseph McCabe ; Reinhart Dozy Thami Bouhmouch

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram