ما قل ودل

بدل إعطاء دروس الحرية و المساواة لدول الساحل…فرنسا مطالبة باستذكار محرقة غار الفراشيش و عملية الجمبري

على اليمين صورة تحاكي محرقة غار الفراشيش و على الشمال بقايا أحد المجاهدين في قاع البحر

شارك المقال

رغم نهاية العهد الإستعماري الفرنسي منذ ستون عاما على بلادنا بفضل تضحيات الاشاوس من المجاهدات و المجاهدين إلا أن آلامه و جراحه لا تزال لم تندمل إلى غاية اليوم , حيث تركت آثارا لم يستطع الزمن مسحها في نفوس من عايشوا و عاشوا تلك الحقبة المظلمة من تاريخ الجزائر , فأي جزائري حّر لن يغفر ذنب الإستعمار البغيض الذي لحد الآن يسعى بعض المؤرخون الفرنسيون لتلميعه رغم ما ارتكب من فظائع بحق البشرية .

و هنا يستذكرني حديث مع الوالد رحمه الله و الذي كان من بين الرعيل الأول للمجاهدين كان دائما يحكي بمرارة على ما ارتكبته فرنسا في حق الشعب الجزائري الأعزل , حيث كان عندما يأتي الحديث عن الثورة الجزائرية  لا تستطيع أن تتغاضى أو تغفل عن الدموع الحارة التي تبدأ بالنزول من وجنتيه خصوصا عندما تعود به الذاكرة إلى استذكار الرجال .

حيث أنه في أحد المرات تذكر زميلا له في قاعة الملاكمة بحي سيدي الهواري و التي كانت تسمى ” مارسيل سيردان ” , أين يقول الوالد عندما ألقي عليه القبض من قبل القوات الفرنسية أنه تم تحويله نحو سجن وهران المركزي و أثناء إذخاله للقاعة الجماعية للمساجين تصادف دخوله مع خروج صديقه الرياضي الذي ألقي عليه القبض هو الآخر بعد تنفيذه عملية فدائية و حكم عليه بالإعدام و بدل أن يبادله التحية اكتفى بالتبسم في وجهه فقط .

و كانت حيرة والدي كبيرة عن هذا التصرف ليعرف بعدها أنه لو وجّه له التحية بالكلام سوف يستدرجه معه لنفس المصير أي الإعدام , فهنا ينفجر الوالد باكيا بأن الرعيل الأول للفدائيين و المجاهدين كانوا رجالا و كان الوالد دوما يكررها طيلة حياته خصوصا أمام المشّككين بأن الحرية و الإستقلال أخذا غصبا من فرنسا و جاءت على أشلاء الشباب و الشابات و العجائز و حتى الأطفال و لم يتصدق أحد علينا لما ننعم فيه الآن من نعيم .

ذكريات الوالد التي دائما ما كان يصاحبها بالدموع تعود بي لإستذكار أحاديثه عن التعذيب الذي لاقاه المجاهدون خصوصا في حي المدينة الجديدة العريق بوهران , حيث استذكر ذات مرة الكلاب البوليسة الفرنسية المدربة و هي تنهش في جسد مجاهد شاب تم إلقاء القبض عليه , و آخر أثناء الإستنطاق كان يرمى بأعواد الكبريت المشتعلة و هو يحاول تجنبها بجسده العاري .

فكان الوالد المرحوم لا يزفر زفرة إلا و يصاحبها ” بالله ينعل بو فرنسا ” , ففرنسا التي تتشدق بالحرية و المساواة و العدالة و يحاول رجالاتها الآن أن يعطوا الدروس في هذه المثل الزائفة لبعض الدول الإفريقية , عليها أن تتذكر عملية الجمبري التي راح ضحيتها أكثر من 8000 مجاهد في قاع البحر , حيث استعملت فرنسا هذه الطريقة البشعة لإعدام المجاهدين الجزائريين وذلك سنة 1957 التي إبتكرها السفاح بيجار وسماها “جمبري بيجار” .

وقد كان يضع رجلي المجاهد الجزائري في إناء فيه إسمنت و يتم إستنطاقه و هو على هذه الحال وعندما يجف الإسمنت يحملونه بهليكوبتر ويرمونه في البحر ليستقر في قعر البحر ويموت خنقا .

وخلال هذه المعركة إختفى أكثر من 8000 رجل من سكان مدن الجزائرية بعدما إختُطفوا من منازلهم وتعرضوا لتعذيب رهيب وقتل بطرق بشعة لاتوصف أبرزها بطريقة “جمبري بيجار”

و طرق التعذيب التي انتهجتها فرنسا متشعبة و لا يزال ضحاياها لحد الآن في أعماق البحار أو الآبار المهجورة و حتى منهم من تم إذابته في روح الملح و من تم غليه في قدور الزيت تماما كما حصل مع الشيخ العربي التبسي و حتى من تم تسويته بالجدران عند المباشرة في عملية بناء العمارات و لعل محرقة غار الفراشيش التي سبقت الهولوكوست بقرن من الزمان لا تزال مغارتها شاهدة على إبادة قبيلة أولاد رياح بأكملها .

فعن أي مساواة و حرية يتحدث أمثال بنجامين ستورا , و كيف يراد للجزائر أن تنسى ثورتها في حين فرنسا لا تزال تؤرخ لها على أنها أحداث فقط , فأمام هذه الخاطرة التاريخية التي ألهبت خاطري في هذا الصباح ما يسعني إلا الإنحناء لروح الوالد و الرعيل الأول من الشهداء و المجاهدين و تحيا الجزائر حرة مستقلة و المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار .

 

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram