لا يزال لحد الآن الأمير عبد القادر و هو تحت الثرى يثير إعجاب كل من قرأ سيرته و ما قام به نصرة للمستضعفين تحت لواء الإسلام , و لحد الآن لم تعرف البشرية بعده رجلا شهما استطاع بحنكته تارة و عبقريته تارة أخرى أن يتعامل مع الأوضاع الصعبة التي خرج منها منتصرا حتى في أحلك الظروف .
و قّل أن نجد في سير العظماء من يشهد له الأعداء بنبل الأخلاق حيث أن امتداد سيرته انتقل حتى إلى العالم الجديد , أين استلهم منه طلاب الدكتوراه الأمريكان المختصين في التاريخ الحديث العديد من أطروحاتهم , حتى أصبح كايزر وهو أحد الكتاب في بلد العم سام يوصف بأنه كاتب الأمير من فرط ما ألّف عنه الكتب و عقد شرفا على شخصيته الملتقيات و الندوات الفكرية .
و رغم خوض بعض الجهّال بما فيهم أبناء عمومتنا إن صح التعبير , و طعنوا في سيرة عبد القادر بن محي الدين إلا أنه بات حتى بعد وفاته التي مر عليها يوم أول أمس قرن و 39 سنة لا يزال يجد من يدافع عنه و عن ما قام به بالمجّان .
فالأمير عبد القادر لمن لا يعرفه فخلال حربه مع فرنسا هزم قرابة 126 جنرالا تعلموا كلهم أبجديات العمل العسكري من قائدهم الروحي نابوليون بونابارت , حيث كانوا ضباطا في عهده , لكن الأديب الشاعر و الصوفي و السياسي المحنك استطاع بفضل حنكته و قوة تأثيره أن يحّول الفلاحين و مربو المواشي إلى جيش نظامي أبهر خيرة القادة العسكريين في وقته , و لا يزال يبهر من خلال ما قام به حتى أصبحت خططه تدرس في أشهر المدارس العسكرية العالمية .
نعم إنه الأمير الذي لم يطلب الإمارة بل جاءته طائعة و الذي كاد في عدة صولات و جولات مع فرنسا التي أذاقها المّر و العلقم أن يعيد جحافلها من حيث أتت , و يصدح باستقلال الجزائر مبكرا لولا أنه لم يطاع من قبل البعض و لولا أنه تلقى الخيانة و الشماتة من ناحية الحدود الغربية .
فحسب الدارسين لسيرة الأمير الشاعر فانتهاجه لسياسة التجويع أي قطع المؤن مع الفرنسيين لو انتهجت بحذافيرها فإن فرنسا كانت ستّشد رحالها بعد معركة المقطع الشهيرة , لكن مواصلة البعض التجارة المربحة مع العسكر الفرنسيس غيّر مجرى التاريخ .
و إذ بنا نرثي الأمير في ذكرى وفاته لا نستطيع أن نتغاضى عن ما فعله عند حمايته للمسيحيين خلال الفتنة الكبرى التي نشبت بسوريا , أين أصبح كل مسيحي سوري على غير عادته يسمي إبنه عبد القادر تبّركا و تيّمنا بما قام به الأمير حفاظا على أرواحهم , فرحم الله روح الأمير و طيّب ثراه و جعله من طينة الشهداء المرضيين .