بمناسبة الذكرى ال 177 لمحرقة الفراشيح وفي إطار العدد الثاني من “منتدى الاعلام والذاكرة” ، نظم مخبر الدراسات الإعلامية والاتصالية لجامعة عبد الحميد بن باديس بالتنسيق مع مديرية الثقافة لولاية مستغانم ومديرية المجاهدين لذات الولاية ، الملتقى الوطني الخامس حول محرقة الفراشيح وجرائم الاستعمار في منطقة الظهرة .
شارك في الندوة أساتذة من جامعات مستغانم ووهران وغليزان وسيدي بلعباس قدموا محاضرات حول الموضوع في جلستين علميتين كانت متبوعة بنقاش علمي ثري لخصت مضامينه اللجنة العلمية في مجموعة من التوصيات لعل أبرزها الدعوة إلى تنظيم ملتقى علمي دولي العام المقبل في إطار برنامج الاحتفال بستينية الاستقلال و أيضا الاعلان عن ميلاد مؤسسة علمية تحمل عنوان “ذاكرة الفراشيح ” تتولى مهمة الحفاظ على الذاكرة الوطنية
و للعودة للتسلسل الزمني لهذه الجريمة الإستعمارية البشعة فإن هذه المحرقة جاءت في فترة الحاكم العام بيجو التي اتسمت فترة حكمه بالبربرية وإبادة مجموعات سكانية بكاملها جراء سياسة الأرض المحروقة ضد القبائل الثائرة للمشروع الاستيطاني المتوغل في أعماق الجزائر , حيث ألزم قادته بذلك فمن خلال حوليات بيليسي اعتبر أن سكان الظهرة موالين للمقاومة الوطنية ومنها مقاومة الأمير عبد القادر.
و هذا ما جلب لهم انتقام بيجو وعسكرييه، ومن ذلك المقاومة التي عرفتها منطقة الظهرة من شلف إلى مستغانم بقيادة المرابط شريف محمد بن عبد الله الملقب ببومعزة الذي تلقى المساندة من قبيلة أولاد رياح، ولأجل هذا أرسل بيجو العقيد بيليسي قائد أركانه لإخماد المقاومة , حيث قدم إلى مواطن أولاد رياح بقافلة عسكرية قوامها 4.000 عسكري يدعمها 200 قومي .
يقول بيجو بشأن هذه الحملة الشعواء ” فوجد هؤلاء الجبليين غير متحمسين للاستسلام … فمن خلال معاينة التقرير المرسل إلى الماريشال بيجو في 22 جوان 1845 والذي يخبره فيها بتحرك قواته نحو أولاد رياح قبل المحرقة بتاريخ 16 جوان 1845 يقول ” وضعت قواتي بواد بالعامرية بأولاد رياح و وضعت قدمي فوق مرتفعاتهم، وقمت بحصار جميع المناطق وقمت بإبادتها بعد تفتيشها …. أولاد رياح على فرعين : فرع موجود على يساره والفرعين لم يتفهما للخضوع لجيش بيليسي، الفرع الموجود على يسار الواد يصر على عدم الاستسلام للفرنسيين “.
المعنى هو أنّ بيليسي وهو يتقدم باتجاه قبيلة أولاد رياح قام بإبادة المداشر المحيطة بها مبررا جرمه قبل المحرقة بأنهم أرادوا مهاجمته , فتقدم لمحاصرة المنطقة معتمدا على ضباطه النقيب موراندو ورونو لحماية ظهره من هجومات محتملة للشريف بومعزة.
وعملا بوصية قائده بيجو :” في حال رفض هؤلاء السُرَّاق الخروج من المغارات لكم أن تفعلوا ما فعله كافينياك الذي و دون تردد أحرق قبيلة سبيح لذا استوجب عليكم حرق هؤلاء كالذئاب “.
ليأتي الهجوم في وقت رفض فيه السكان الاستسلام لقوات الجيش الفرنسي واختاروا اللجوء إلى المغارة بنساءهم وأطفالهم وشيوخهم وحيواناتهم ومتاعهم ومؤونتهم في وقت قطع فيه السفاح بيليسي كل سبل التفاوض رافضا الاستماع لبعض وجهاء المنطقة ومنهم خليفة شلف ومينا ولد سي لعريبي ، وكلهم اعتقاد ان غار الفراشيح المحمية الطبيعية والبرج الحصين الذي يرتفع عن سطح البحر ب 84 م والذي كان ملجأهم وقت الغارات في الفترة العثمانية بالخصوص في مواسم الحصاد وجباية الضرائب ستحميهم ببركة الصالحين.
ليعطي بيليسي أوامره يوم 18 جوان 1845 بسد منافذ المغارة على المدنيين الأبرياء لم يستجب فيها لنداءات المستغثين بالابتعاد وضمان الآمان مساء 19 جوان 1845، فربع ساعة كانت فاصلة أمام الاختيار الصعب، اختار فيها المحتمين بالمغارة من أبطال أولاد رياح عدم الاستسلام وفضلوا الموت خنقا وحرقا، ظل فيها الحريق مشتعلا لمدة 18 ساعة وسمع دوي الانفجار وخروج دخان كثيف حسب ما ذكره السفاح بيليسي .
وبعد أن تأكد من اكتمال جريمته أمر جنوده بتفقد ما بداخل المغارة، فلك أن تتصور ما اقترفته يد الإجرام الاستعماري يقول بيليسي أكثر من 500 جثة مفحمة و 50 من الأحياء توفي أغلبهم هذا ما ذكره في التقرير المرسل لحكومته، ولكن المؤكد أن الرقم كان أكبر تجاوز الألف في ظل عدم وجود إحصائيات دقيقة عن العدد الإجمالي لأفراد القبيلة الذين دخلوا المغارة.
والسؤال الذي يطرح هنا لماذا قبيلة أولاد رياح بالذات نالتها الهمجية الاستعمارية بأشد وأبشع صور الإبادة إلى درجة الخنق والحرق (Enfumade )؟ على الرغم من أن بيلسي لم يتعرض لخطر كبير من هذه القبائل بدليل هروبها وفزعها من الجيش الافريقي ؟ .
وهنا تطرح إشكالية التقارير التي كانت تصل الى الإدارة الكولونيالية والتي كان فيها الكثير من لمسات أعوان الاستعمار؟ إذ كان بإمكان الجيش الإفريقي محاصرة القبيلة و قطع المؤونة عنها، ولكن هي الآلة الاستعمارية آلة الحقد والبطش من أجل تطويع القبائل التي تبهرنا في كل مرة بفنون الإبادة والقتل للجزائريين التي تبقى في الماضي والحاضر والمستقبل جريمة تلاحق فرنسا الرسمية.
بدليل أن بيليسي حاول تبرئة نفسه بأنه لم يكن ينوي إبادة أولاد رياح بهذه الوحشية وإنما فرض إرادة فرنسا لإخضاع الجزائريين للسيادة الفرنسية، فبدل العقاب تمت ترقيته إلى دوق مالكوف و إلى رتبة جنرال وحاكما عاما بالنيابة سنة 1851 ثم حاكما عاما على الجزائر 1860 و أطلق على اسمه تخليدا لمنجزاته التي تدرج في خانة الإجرام الفرنسي على إحدى بلديات مستغانم والمعروفة باسم صيادة.