إن المتأمل في تاريخ مدينة وهران يرى إن اقتران اسم الشيخ سيدي الهواري رحمه الله بمدينة وهران وذاكرة الوهرانيين يشكل مفخرة وسمة مُمَيِّزة للمنطقة وسكانها على حد السواء، حتى أن أكثرهم يتبركون بتسمية مواليدهم على اسمه -الهواري- ، كيف لا وهو من أبرز الشخصيات التي شهد لها التاريخ بالإصلاح والنبوغ والدعوة إلى الحق.
و عليه ارتأينا من خلال سلسلة التعريف بمعالم وهران وأعلامها أن نتطرق لهذه الشخصية التي يجهل تاريخها العلمي والإصلاحي معظم أهل وهران بصفة خاصة والشعب الجزائري بصفة عامة، فإذا تم سؤالهم عنه لا تتعدى إجابتهم بأنه ولي صالح ومعلم بارز في تاريخ مدينة وهران.
هو الشيخ محمد بن اعمر الهواري، يرى بعض المؤرخين أن أصله يعود إلى قبيلة مغراوة، وتربى في هوارة، في حين يذهب باحثون آخرون إلى أنه وُلد بهوارة في ضواحي كلميتو على بعد عشرين كيلومترا شرق مدينة مستغانم , حيث ولد سنة 1350م كان يحكم وهران آنذاك أبو حسن المريني .
ختم القرآن الكريم قبل تمام العاشرة من عمره، حمل هذه الأمانة العظيمة على يد شيخه علي بن عيسى، ثم كانت انطلاقته العلمية في حاضرة بجاية وهي معلم من معالم العلوم الدينية والدنيوية في ذلك الوقت , حيث تلقى العلم على أيدي علمائها الذين كان من أبرزهم الشيخين عبد الرحمن الوغليسي والشيخ أحمد بن ادريس .
ليسافر بعدها إلى فاس فأتم فيها حفظ المدونة سنة 776 هجرية وهو صاحب الخمسة والعشرين ربيعا، وأخذ بقية العلوم عن الشيخ موسى بن محمد بن معطي العبدوسي والشيخ أحمد بن القاسم بن عبد الرجمن القباب .
وبعد أن أصبح مدرسا بفاس شد الرحال إلى المشرق عبر تونس وليبيا وأقام بالأزهر الشريف أين تتلمذ على يد الشيخ الحافظ العراقي ثم التحق بعد ذلك بالحجاز أين أدى فريضة الحج وزار المدينة المنورة وعلمائها .
انتقل بعدها إلى فلسطين وحضر العديد من الدروس بالمسجد الأقصى ثم إلى دمشق، ليعود أخيرا إلى أرض الجزائر أين استقر به المقام بمدينة وهران، حيث يفيد التحقيق التاريخي أنه اختارها دون غيرها من المدن نظرا للنشاط العمراني والبشري الذي تميزت به المنطقة آنذاك من جراء الهجرة الإندلسية والذي شكل باعثا لاستقراره بها .
حيث قام بتأسيس الزاوية لتتعدد نشاطاته فيها؛ فكان يُدرس فيها مختلف العلوم الدينية ويُلقي دروساً في الوعظ والإرشاد ويدعو الناس إلى التوبة والصلاح والزهد و تحكي بعض المصادر أنه كان رجل ذو بصر و بصيرة حيث اشتغل قاضيا بين الناس و يقال عنه أنه يعلم المتخاصمين من قبل أن يحتكما إليه و يكشف لهما سر احتكامهما للقضاء و يقضي بينهم بالعدل بعدها .
من خلال الكرامات المتعددة التي تميز بها الإمام الهواري أكسبه الوهرانيون صفة الولاية حتى أخلطت الروايات الشفهية ما بينها و بين الخرافات و أصبح ينادى دوما في وهران بسلطان البلاد , و كان من أبرز تلامذته الشيخ ابراهيم بن محمد التازي والشيخ الحافظ أبوراس و لعل من أبرز مؤلفاته كتاب ” السهو و التنبيه” .
توفي في 12 سبتمبر 1439م، عن عر ناهز 89 سنة، لتتضارب الأقوال بعد ذلك حول حقيقة مكان دفن جثمانه فمنهم من يقول بأنه مدفون على بعد أكثر من من 1200 كلم جنوب وهران وبالضبط في قصر أغلاد بضواحي عروس الواحة الحمراء بتميمون، في حين أفادت بعض الأراء الأخرى أنه دُفِن بشعبة اللحم بعين تموشنت إلى جوار أخيه السعيد .
وتقول روايات أخرى أنه مدفون بحاسي الغلة، وهناك من قال أنه دُفِن خارج المدينة على الطريق المؤدي إلى عين تموشنت و تلمسان بينما الضريح المتواجد حاليا في حي سيدي الهواري هو لإمام المسجد في الحقبة الإستعمارية المدعو “بولحبال” .