
ولعل من أبرزهم فرنسوا بورغا وأوليفيي روا وجيل كيبل، جوزيف فان أس رحل إلى البواكير الأولى للإسلام، إلى القرون الثلاثة المشكلة للفكر الإسلامي وأبحر بالخصوص في التصوف وعلم الكلام (اللاهوت)، وقد كانت بدايته المتميزة والرائعة مع أطروحته حول الحارث المحاسبي سنة 1959.
ثم تخصّص أكثر في علم الكلام فكتب موسوعته الرائعة “علم الكلام والمجتمع في القرنين الثاني والثالث للهجرة” من ستة أجزاء أخذت من عمره تأليفاً من 1991-1997، ترجمت إلى الإنجليزية في السّنوات الأخيرة، وإلى العربية قامت سالمة صالح بترجمة جزئين صدرا عن منشورات الجمل.
و في سنواته الأخيرة جمع بحوثاً ودراسات كتبها في أزمنة مختلفة تحت عنوان “كتابات فان إس القصيرة” في ثلاثة مجلدات بعض ما تضمنته مقالات بالفرنسية والإنجليزية.
كان فان أس تتويجاً لمرحلة استشراقية ألمانية، وقد ظل الاستشراق الألماني متميزاً وعلمياً وحيادياً في غالبه تجاه القضايا الشرقية التي يدرسها، وأعانه في بحوثه العلمية تعدد لسانه ومعرفته باللغات العبرية والفارسية والعربية، كما أن زيارته المتكررة إلى لبنان ولقاءاته مع الدروز ساهمت في محاولته إقامة حوار بين الشرق والغرب، ومحاولة تجسير العلاقة بين الشيعة والسنة فكريا.
ومما اطلعت عليه في كتابه المترجم (علم الكلام والمجتمع) قدرته على إعادة رسم الخريطة الفكرية للوعي الإسلامي في بواكيره الأولى وفهمه العميق للإباضية والمعتزلة، وقد كان ميالاً للاعتزال.
تأثر به واطلع على بعض أعماله محمد أركون، وربما استخدم بعض اصطلاحاته، ولذلك على الأركونيين عندنا العودة إلى مصادر فكر أركون الاستشراقية لفهم طبيعة تفكيره وأصول بعض مفاهيمه التي يستعملها، ومنها كتابات الألماني (من أصول هولندية) جوزيف فان أس.