انتصرت الجزائر مرة أخرى معنويا على المغرب بعد تأكيد منظمة اليونيسكو لأحقية الجزائر في أسبقيتها بابتكار الطبع الغنائي الراي,فرغم الكتابات الصحفية التي صدرت عن المؤلفين و أوائل مطربي هذا الفن العريق من عيار بلمو و كذا الشيخ فتحي و الشيخة الريميتي التي تنصف الجزائر بالسبق,إلا أن تعنت نظام المخزن في شقه الثقافي أبى إلا أن يستحوذ على طبع الراي ضمن أرشيفه.
و سبق للمغرب أن انحنى أمام الجزائر حتى تاريخيا فمن معركة الجاسترونوميا حين خسر أحقيته بأكلة الكسكس الذي وجدت صوره ضمن عدة مقاطع خزفية و فسيفسائية قديمة قدم هذه الأكلة لدى الجزائريين إلى موقعة الزليج الذي ظهر على قمصان المحاربين حتى أن قصر المشور بتلمسان و عدة أماكن ببجاية عاصمة الحماديين تعج به حتى جاء دور فن الراي أين كانت الضربة القاضية للمغاربة.
و فن الراي ليس مثلما يعتقده المخازنية أنه مجرد طبع غنائي إيقاعي يهزون من خلاله المؤخرة,بل هو مرتبط بثورة التحرير المباركة و ذهب المؤرخون في المجال الثقافي بعيدا في هذا الطرح حيث ربطوا ابتكاره بتاريخ الثورات الشعبية حيث كان الشعراء يدعمون قصائدهم بشعارات ثورية حماسية ملحمية و عندما علمت فرنسا بذلك راحت تمارس معركة تكميم الأفواه و هنا أبدع كتاب الكلمات في تبطين المعنى.
فقصيدة “أصحاب البارود” مثلا هي نتاج ملحمة ثورية لكن المعني شّبه الحرية بالعروس التي طال غيابها و التي يجب لأصحاب البارود التدخل لتحريرها لذا فمن خلال قعدات مقاهي زمان و كذا الأفراح و الليالي الملاح تنقلت الرسائل المبطنة لإيقاظ الهمم التي نتجت عنها ثورة شعبية عارمة لم تبق على الأخضر و لا اليابس من الإستعمار الفرنسي.
لهذا حق للجزائر أن تفتخر بهذا النسيج الغنائي الذي كان أول مؤسسيه الشيخ عبد المولى العباسي و الشيخ حمادة دون نسيان الشيخ الخالدي ليأتي بعدهم بلاوي الهواري و أحمد وهبي حيث عرف فن الغناء الوهراني تحورات و تحولات جعلت منه فن “الراي” على وزن “الرشوق” الذي يرمز لكل ما هو متمرد لتكون مغارة هذا الفن بوابة لميلاد نجوم عالميين من عيار الشاب خالد و الراحل حسني و الشيخ فتحي و هلم جّرا.