لا تزال الأرض تخرج أثقالها بعدما أوحى ربك لها في كل من سوريا و تركيا,و لا تزال تلك الأرض الطاهرة التي دفن فيها معظم الصحابة رضوان الله عليهم تجود بالكرامات,حيث أن هذا الزلزال بقدر ما فتك و دمّر البنى التحتية و أتى على أرواح أربعين ألف إنسان أو ينيف,إلا أنه جلب لنا دروسا مجانية في المّنة و الكرامة الإلهية و قرّب البعداء من الأرحام و الأصدقاء و تجلت صور من التضامن و التكافل ما بين أفراد الأمة الواحدة.
و تجّلت قدرة القهّار ذو القوة المتين الجّبار في أبهى صورها أين خرج الحي من الميت أمام أعين رجال الإنقاذ الذين ذهلوا لهول ما رأوه,حيث ولد من رحم إمرأة سورية متوفاة ظلت حبيسة الأنقاض في مدينة “جندريس” في موضع لم تستطع أن تطأه أقدام إنسان سوى معاول الهدم التي كشفت عن روح بريئة فقدت كل عائلتها و جاءت للحياة لتعطي إبن آدم أبهى الدروس حول الفرج بعد الضيق و الأمل بعد الكدر.
و إذا كانت هذه الصورة صدرت من سوريا فهناك صورة أخرى لا تقل عنها رحمة و رأفة تجلت في تركيا أين ظل كلب يبحث عن صاحبته ما بين الصخور و الأتربة و ظل طيلة أيام ما بعد الزلزال يتعّقب جسد من حّنت عليه و أطعمته و آوته في وقت مضى,يحفر بحوافره إلى أن دّل المسعفين على مكان صاحبته التي ظل يقف إلى جانبها و يواسيها عن طريق شد يدها كنوع من رّد الجميل في حين أن هذه الصفة بالذات إنعدمت عند غالبية بعض البشر.
و رغم أن الكارثة الطبيعية مّرت عليها أكثر من أسبوع إلّا أن أرض كنعان لا تزال تجود بأثقالها متحدية قوانين الطبيعة الفيزيائية و منطق علم النفس,فمن حين إلى آخر يقع المسعفون تارة على طفل صغير قضّى قرابة أربعة أيام تحت الأنقاض مثلما هو الشأن لإخراج شيوخ و عجائز أحياء لم يمسهم سوء و حفّتهم العناية الإلهية بأسمى معانيها.
و جاء زلزال تركيا و الذي اهتزت له الشقيقة سوريا ليعطي درسا للبشرية جمعاء أنه وراء الدمعة ابتسامة و وراء الألم أمل و وراء الضياع لقاء و بعد الغياب عودة و المحنة يمكن أن تتحول إلى منحة,فما دامت الحياة مستمرة ما دام الأمل مستمر.