ما قل ودل

مالك بن نبي يَعود من الصّين والسّعودية

شارك المقال

 

قال عن فكره وآرائه “أنّه سيعود بعد ثلاثين سنة”,وهو يعود فعلاً من حين لآخر منذ نصف قرن على وفاته,ولكنّها عودة قد تكون سَيّئة التّأويل من “المريدين الأيديولوجيين”,وهو ما أشار إليه بعبارة في زمن إحباطه نهاية الستينات وبداية السبعينات قبل وفاته -رحمه الله- “أنا على يقين من أنّ أحداً لم يفْهَم رسَالتي”.

تذكّرت مالك بن نبي يوم المصالحة السّعودية-الإيرانية برعاية صينية وقد كان إعلان عودة العلاقة صدْمة في بعض عواصِم العالم,وقلت ماذا لو كان صاحب “الظّاهرة القرآنية” معنا اليوم؟.

هل كان سيكتب جزءاً ثانياً لكتابه عن “فكرة الأفرو-آسيوية”؟ وسيختار الطّائف السّعودية (تمنّى في مرحلة من حياته أن يقضي فيها بقيّة عمْره) واليوم قد تكون مدينة “نيوم السّليمانية العالميّة” حلمه وأمَله؟

في حديث مالك بن نبي عن الكتب التي أثّرت على البشرية في دراسته “الكتابُ والوسَط الإنساني” أشاد بكتاب له وحَلم بنصوصه كفيْضٍ معرفي واقتصادي وسياسي شَبيه بما صنعه كارل ماركس في إحداث التّغيير بكتابه الشّهير “رأس المال”.

كتاب مالك بن نبي “فكرة الأفرو-آسيوية في ضوء مؤتمر باندونغ (1956)” الذي كتبه في أجواء سياسية عالمية تزامنت مع انعقاد مؤتمر باندونغ,وكان يرى في التّحالف الآسيوي – الإفريقي تجاوزاً للتكتّل الإمبراطوري (الرأسمالية والاشتراكية) يفتقد إلى القيم الإنسانية,وهو ما سيوفّره الضّمير الإسلامي للعالم.

قال: “قطاع الفكر الإسلامي واللاعنف (لكن للأسف ظهر عنف هندي فيما بعد) مجالٌ لحضارتين حضارة الإسلام وحضارة الهندوسية اللتين تتوفّر فيهما إمكانات روحيّة عظيمة للإنسانية”.

كان هاجسه دوماً البحث عن تكتّلات جديدة تخرجنا من الهيمنة الغربية الاستعمارية ومن الصّراع الأيديولوجي المدمِّر للإنسانية وللقيم الإلهيّة,ولذلك عبّر عن رأيه في أكثر من مناسبة من ضرورة التّغيير العالمي والأمل في أن يقود ذلك نخبٌ جديدة في العالم الإسلامي.

وكان معجباً بالحضارة الآسيوية مثل اليابان والهند والصين، وكانت له علاقات خاصّة وإعجاب بنهرو الهندي وزعماء باكستان وجمال عبدالناصر,أنور السادات ومعمّر القذافي.

كانت حياته ممزوجة بالإحباط -رغم الأمل الذي كان يُشعّ مرات- ولذلك تمنّى الموت وفكّر في الانتحار لولا إيمانه القويّ بالله,وقد قال في مناسبة (ذكر ذلك نورالدين بوكروح من خلال دفاتره): “الحُلم ذهب هباءً منثوراً,وصار مرمياً في الحضيض الأسفَلِ,و أدعو الله أنْ يُخفّف عنّي وأن يعجِّل نهايتي” (26 فبراير 1958″.

رحمه الله أدرك التّحالف الوشيك بين آسيا والعالم الإسلامي ما سمّاه صموئيل هانتينغتون “التّحالف الكونفشيوسي-الإسلامي” في مواجهة الليبرالية، ولكن رؤية صاحب (صِدام الحضارات) عدائيّة تختلف عن بن نبي التي تدعو إلى الخيّرية و”المصَالحة العالمية –الإنسانية”.

قال ذلك في كتاب يراه بن نبي من أهم كتبه (الفكرة الأفرو-آسيوية) منذ الخمسينات من القرن الماضي,ومن الكتب المهمة حول بعض أفكاره ما كتبه أمير نور الموسوم “الإسلام ونظام العالم.. وصية مالك بن نبي” الصادر باللغة الفرنسية,ولكن للأسف “زامر الحيّ لا يُطْرِب” ومازالت بعض نُخبِنا العلميّة غير مفهومة ويدمّرها الإحباط يومياً.

 

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram