
كان الشّوق إلى لقاء الأستاذ والشّيخ عبدالباقي مفتاح، ويَسّر الله الأمرَ ذلك حين زيارتي جامعة الشّهيد لخضر حمّة بولاية الوادي لتقديم محاضرة،ومساء يوم الوصول رافقت مدير الجامعة وأعضاء منتدى المعرفة ومدير الشؤون الدينية والأوقاف إلى مدرسته وزاويته الهبريّة.
فكانت الجلسة مُمتعةً حَضرت فيها روح ومعاني وفتوحات شيخه الأكبر الحاتمي محمد محيي الدين بن عربي (560ه-638ه) وشيخه الأقرب الذي عاصره وأخذ عنه محمد بلقايد (ت1998م) الذي بإشارة منه وتوجيهه أسسّ زاويته بالوادي,ومن بركات هذه الزاوية مدرستان واحدة للذّكور والجديدة “مدرسة فاطمة الزّهراء” للإناث بها حوالي 500 امرأة مختلفة أعمارهن يدرسن القرآن الكريم وعلومه ومنهنّ من تتعلّم مهنة وصناعة.( يشتغل في صمْت دون أضواء وبهرجة وادّعاء).
الشّيخ عبدالباقي مفتاح يعيش حياته في عوالم عبدالكريم الجيلي وابن عربي والأمير عبدالقادر,يتَذّوق نصوصهم معرفة ووجْداناً ويشرحها ويبسِّطها للذين يبحثون عن المعاني ومشاهدة الأسرار واكتشاف الأنوار.
حدّثنا عن “المفاتيح والمفاهيم القرآنية” التي اكتشفها في قراءته للنصوص الأكبرية أو الجيلية,وقد ألّف في هذا المضوع,فهو يعتبر “الفتوحات المكيّة” كشفاً معرفياً ملتزماً بالقرآن الكريم والسنّة النبوية,وأن الذين يحاولون أن يجدوا لأفكار الشيخ مصادر فلسفية أو غنوصية لم يفهموا نصوصه,وقد تكون الحقيقة واحدة يفتح الله بها على من يشاء من عباده في أي مكان وأيّ عصر وأيّ مِلّة.
كما كان الحديث عن جهوده العلمية وما سينشره مستقبلاً,وتحدّث بألم شديد عن معاناته في النّشر بالخارج,فله مكانته الدّولية ويتواصل مع هيئات علمية ومراكز بحث ودور نشر تسعى لطبع كتبه,وحين ترسل نسخٌ من مطبوعاته يلاقي العنَت في الحصول عليها.
ويتمنّى أن تطبع كتبه مجموعة في بلده وعددها 54 كتاباً منها 30 كتاباً فقط عن محي الدين بن عربي,ولذلك فمفتاح عبدالباقي مفتاحٌ لما استغلق من إشارات وعبارات ابن عربي, فهو الشّارح المفتوح عليه للنّصوص الأكبرية,فقد حلّ مقفلات “فصوص الحِكم”.
ويشرح قرآنياً نصوصه ومشاهده وتجلياته,كما حقّق وأعاد تحقيق بعض نصوصه ومنها كتابه الذي أهداه إليّ “الرسائل الثّلاث: الدرّة البيضاء,والزّمردة الخضراء,والسُّبجة السّوداء” مع كتاب آخر عنوانه: “الحقائق الوجوديّة الكبرى”.
ومنها ما تُرجم إلى لغات أخرى، كما حقّق كتاب “المواقف” للأمير عبدالقادر,وكتب عن الطرق الصوفية (التيجانية والرحمانية الخلوتية والقادرية والشّابيّة الشاذلية),وترجم أعمال عبدالواحد يحي (رنيه جينو) وعددها 12 عنواناً.
ترى هل تلتفت المؤسّسات الرّسمية إلى هذا الزّخم الفكري والعرفاني وتطبعه في أعمال واحدة؟ أم ندّعي خدمة الخُصوصية الدّينية والثقافية قولاً واستهلاكاً وتوظيفاً آنياً؟.