ما قل ودل

الشيخ الفاضل جيلالي جلول كما عرفته

شارك المقال

بقلم السي الناصر عبد الحميد

لا يمكن أن تتجاهله و أنت تستمع كل صباح إلى الإذاعة المحلية بمعسكر وخاصة في حصة علماء الراشدية,لأن صوته و طريقة عرضه لتاريخ المنطقة و شخصياتها,يجعلك تنتبه إلى ما يقول و ما يسرد من كلام عن هذا التاريخ الثري لمنطقة الراشدية,إنه الشيخ الفاضل جيلالي جلول رحمة الله عليه.

هو من مواليد 1942 من بلدية ماوسة بضواحي مدينة معسكر، ينحدر من عائلة شريفة النسب اشتغلت بالعلم,فوالده كان محب للعلم ومخالط للعلماء,درس الشيخ الفاضل جلول جيلالي بفاس بالمغرب خلال ستينيات القرن الماضي,ليعود إلى معسكر سنة 1963 حامل لواء البحث و التنقيب في تراث المنطقة وشخصياتها العلمية و الدينية.

فألف كتب عنها,و من بين ما الفه من هذه الكتاب، كتاب من صلحاء الراشدية الولي الصالح سيدي أحمد بن عربية و كتاب النفيس في اعلام غريس، كما اهتم الشيخ جلول جيلالي بشعراء المنطقة أيضا فألف كتاب عن نشطاء الشعر الملحون من بينهم الشاعر الفحل مغدير بن علي.

تعود معرفتي بالشيخ الفاضل جيلالي جلول الى السنوات العشرين الأخيرة، حيث جمعتني به علاقة أخوية صميمة متنها انتسابنا الى المجال الثقافي بالولاية، فقد كنت احضر له بعض المحاضرات التي كان يلقيها بدار الثقافة ابي راس الناصري أو بجامعة معسكر، وخاصة بمعهد العلوم الاجتماعية والإنسانية حيث كان يُدع اليه في كثير من الأحيان بمنسبة الملتقيات العلمية التي كان يقيمها المعهد، مجالسا للباحثين ومختصين في التاريخ على منصة محاضرات المعهد.

تميز الشيخ جلول جيلالي رحمة الله عليه، بطريقته في القاء المحاضرة,حيث كانت الحمسة المعرفية المملوءة بصدق المشاعر اتجاه الشخصيات والمواضيع التي كان يتناولها بالدراسة و البحث، تجعلك تستمع بشغف و تمعن فتدرك نتيجة لهذا الصدق في تناول الموضوع,الأهمية العلمية و التاريخية لهذه الشخصية في المحافظة على الهوية المحلية و الوطنية وترسيخ القيم الإسلامية,وتعي جيدا من جراء ذلك أيضا الثراء الثقافي والعلمي والديني خاصة للجزائر و مدى إسهامها أي الجزائر,بتميز تجل في الإضافة النوعية لهؤلاء العلماء في إثراء التراث الفقهي و العقدي.

فقد اهتم الشيخ الفاضل جلول جيلالي بعلم التوحيد الذي تميزت به منطقة الراشدية في فترة تاريخية معينه، من خلال دراسته لحياة الولي الصالح سيدي محمد بن يحي الذي اشتهر باهتمامه بعلم التوحيد، كما اهتم أيضا بعلم التراجم، حيث شرف نادي البيان بإلقاء عدة محاضرات من بينها محاضرة عن العالم الجليل سيدي بن موسى ابن ابي عمران و التي عنونها بسيدي بن موسى ابن ابي عمران وترجمته، كما قدم أيضا بالنادي,محاضرة عن العائلات الأندلسية التي هاجرت الى مدينة معسكر بعد هروبها من القمع الاسباني المسيحي للمسلمين بعد سقوط الاندلس.

كانت للشيخ زيارات علمية وبحثية عديدة الى خارج الوطن تجشم عناء مصاريفها من ماله الخاص، حيث مّر بدمشق سنة 2005 بعد زيارته الأولى للبقاع المقدسة لأداء مناسك الحج حيث زار بيت الأمير عبد القادر بدمشق وكثير من المناطق الأثرية بسوريا,كما يذكر من صاحبوه في رحلته تلك.

كما قام برحلة الى اسبانيا متتبع خطوات العائلات التي هاجرت من الاندلس الى شمال الجزائر وخاصة مدينة معسكر، في رحلة علمية متميزة، حيث التقى فيها ببعض الأساتذة الإسبان المهتمين بتاريخ هذه الفترة ومن بينهم الأستاذة مانيويل حيث استفاد منها كثير إلا أنه,و كما يذكر في محاضرة التي ألقاها بنادي البيان خلال شهر رمضان,قد عانى كثير بسبب جهله باللغة الإسبانية، لهذا لم يتمكن من إتمام بحثه بشكل جيد، كما زار جامعة غرناطة وتعرف على بعض الأساتذة فيها، كما تمكن ايضا من زيارة منازل بعض العائلات الإسبانية التي تحوي منازلها على مخطوطات للفترة الإسلامية والتي لتزال تحتفظ بها هذه العائلات المورسكية الى غاية اليوم.

شارك الشيخ جلول جيلالي في الكثير من البرامج الإذاعية وبالأخص الإذاعة المحلية بمعسكر والإذاعة الثقافية معرف بتاريخ المنطقة وعلمائها، كان أخرها، وقبل وفاته بأشهر قليلة، مساهمته مع الأستاذ فارس حمى في حصة نفائس المدن، التي تذيعها الإذاعة الثقافية الجزائرية، حيث تحدث عن علماء معسكر ورجالتها، ليستغل الأستاذ فارس هذا اللقاء لمحاورته عن شخصيته وسيرته العلمية، سعد بها الشيخ سعدة كبيرة حيث استفاض في الحديث عن والده وشغفه بالعلم وعن اهتمامه هو بالتراث والأسباب التي دفعت به الى هذا الاهتمام، كما شارك، و في اطار النشاطات الثقافية التي كانت تقيمها مديرية الثقافة داخل الولاية و خارجها، بعدة اعمال علمية و بحثية مهمة.

لعلنا ونحن نكتب اسطر هذا المقال المقتضب وفاء للرجل، ندرك تمام الإدراك اننا لا يمكن أن نفيه حقه في التعريف به، أو في التعريف بما قدمه للمنطقة من خدمات علمية و بحثية جليلة، كما ندرك أيضا، أن جهوده هذه، ستشهد، أنه في مرحلة تاريخية معينة 1942 – 2023 ، كان هناك في منطقة الراشدية، معسكر، رجلا فاضلا اسمه الشيخ جلول جيلالي حمل لواء البحث والتنقيب في تراث منقطة أحبها فأخلص لها و لعلمائها ولتراثها، وحاولا بكل ما يملك من معرفة علمية و موهبة ذاتية، أن يميط اللثام عن بعض اسهاماتها في بقاء هذه الامة حية منافحة عن ثقافتها الاصيلة، ليس لي أي سبب، إلا لإدراكه العميق لحاجة المنطقة بصفة خاصة و الجزائر بصفة عامة، لهذه الواجب المعرفي الشريف.

رحم الله الشيخ الفاضل جيلالي جلول,وجزاه عنا خير الجزاء وأن يجعل,عز وجل جهوده هذه في خدمة العلم والمعرفة,في ميزان حسناته.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram