ما قل ودل

الحجّ محبّة (ورحلة بالحقّ إلى الحقّ)…سَفر إلى قِيم التّضامن والأخوّة والتّكافل

شارك المقال

نصوص رحلات الحجّ فيها التّاريخ والذّاكرة والفقه والطّرافة والتّصوير والجغرافيا، منها ما هو سردي فيه الحكي ونقل المشاهدات وهي الغالبة، ومنها ما هي رمزية وذات دلالات ومضامين ليس القصد نقل الحدث ولكن رمزيته ورسالته، ف”لبيّك” -حجّ الفقراء-لمالك بن نبي رحلة تتوقف عند جدّة.

وكأن الحجّ هي تلك الصُّور من التوبة والتسامح والمحبة وانتصار الشّاب السّكير على أهوائه هي “الحجّ المعنوي بالله وإلى الله” أو سَفر بالحقّ إلى الحقّ”، كما أنّ قبول المجتمع لهذا الشاب الذي باع دكّانه وهو ما يملك في الدنيا من أجل الحج، هو “الحج الاجتماعي”، أي أن تكون مواطناً صالحاً.

للإشارة مالك بن نبي أدّى حجتين والثانية أعقبتها محاضرات بدمشق ولقاءات بطرابلس ومصائب مع الجيران والإدارة في الجزائر وكانت وفاته.

ومن النصوص التي قرأتها قبل طباعتها حين كان يتردد عليّ في مكتبي بوزارة الشؤون الدينية والأوقاف المرحوم الموثق شنتوف حفيد العربي بن عبدالله شنتوف (1857-1930) وكان مبتغاه طبع رحلة حجّ سنة 1901 ودوّنها صاحبها سنة 1920 عنوانها: “الحقيقة والمجاز في الرّحلة إلى الحجاز”، وفي مسار الرحلة نقرأ مساراً روحيا معنوياً يذكرنا بتأليف أبي حيان التوحيد: “الحجّ العقلي إذا ضاق الفضاء عن الحجّ الشّرعي”.

العربي شنتوف المعسكري الدرقاوي الطريقة يتحدث في بداية رحلته عن فوائد السفر والسياحة، وأن الرحلة الحجيّة الحقيقية هي “الانتقال السّفري من الكراهية إلى المحبّة، ومن البخل إلى الكرم، ومن … إلى ..” أي التغلب على الهوى والسفر إلى الإيمان، المعاني الربانية والإنسانية.

ويتحدث العربي شنتوف عن “معنى الإنسانية”، ومن تلك المعاني المتوّلدة “المحبة” “فرأس العقل -بعد الإيمان- التحبّب إلى الناس كافة” ويستشهد بحديث نبوي: “لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم ببسط الوجه وحسن الخلق”.

وفي مقدمات الحج قبل السفر هناك “سَفر نحو المحبة والقيم الأخلاقية”، فلقب “الحاج” كان يعني المسلم الخادم للناس ومجتمعه، فهو لقب رمزي لا يُنال بسهولة، وقال قصيدة جميلة المعنى والمبنى في التوحيد والشوق إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وأمر أن تكتب بمحلّه (جدار كان يتكئ عليه أثناء تلقيه العلوم عن أبيه شيخه في العلم).

وفي الرحلة تراجم بعض علماء الراشدية وتعريف بأماكن ومدن فرنس اسمها المحتل وحاول أن يعربها من حيث المضمون والدلالة، وقسّم الطريق الذي مرّ به براً وبحراً إلى عالمين (عالم الخَلْق -من معسكر إلى ميناء وهران – وعالم الأمر – البحر إلى جدة)، فالبر غير البحر، وكلا العالمين (الخلق والأمر) يلتقيان عند (كعبة الذات) وهو فضاء الحقيقة.

هي تأملات عرفانية صوفية حاول أن يصبغ عليها المعاني الإنسانية ويستذكر من خلالها تاريخ الجزائر وعلمائها وصلحائها، كما نحت أسماء للأماكن ووسائل النقل، فالقطار الذي هو عهد جديد في الجزائر سمّاه “الفرس أو الجواد الإلياسي” نسبة إلى النبي إلياس الذي صعد إلى السماء بفرس ناري.

والسفينة رمزية الحياة وأمواجه هي “الفتن”، وقد نقل لنا بعض عادات الجزائريين في توديع الحجيج مثل التلفظ بالهيللة، وتناول قضايا فقهية ومنها الإحرام بجدة حين النزول من الباخرة.

فقد أحرم بجدّة وأفتى بذلك من أكثر من قرن ومازال بعضهم اليوم يصرّ على الإحرام في الطائرة رغم الحرج الذي يحدثونه.

للإشارة صاحب الرحلة استعمل تقريبا نفس عنوان كتاب الصوفي المعروف غبد الغني النابلسي (الحقيقة والمجاز في الرخلة إلى بلاد الشام ومصر والحجاز).

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram