استكمالا لبطولات فدائيي مدينة وهران خلال حرب التحرير المباركة,التي اتخذنا الخلية التي كانت تنشط في حي المدينة الجديدة مثالا لها,أو بالضبط عائلة عريس التي كان يقودها رب المنزل السي عبد القادر و زوجته الشجاعة المجاهدة الحاجة زولة.
فذات العائلة الكريمة التي تربطنا بها علاقة قرابة,كانت بعد نهاية حرب التحرير و هي تتمتع بسنوات الإستقلال الذي جاء بعد سنوات من الجمر و القهر و الإستعباد,تحكي للأقارب خلال الإجتماعات العائلية عن قصص الفدائيين المشّوقة.
و كان بطل إحدى القصص هو عمي “قادة” الإسكافي الذي حمل لقب الحاج بعد الإستقلال,فكان بطلنا يشتغل في مهنة تصليح الأحذية بالمدينة الجديدة,حيث يعرف صاحب هذه المهنة في مدينة وهران بال”سبابطي”.
ذات مرة كان حي المدينة الجديدة الذي يعرف بحي الأهالي “les indigènes”,أين حمل تسمية عنصرية نعث بها الأوروبيون أصحاب و مرتادو هذا الحي,الذي كان معظم سكانه من الجزائريين,و حدث في إحدى المرات أن شّدد الخناق في ذات الحي من قبل فرقة اللفيف الأجنبي “la legion etrangere”,التي كانت تراقب كل كبيرة و صغيرة في المدينة الجديدة.
و كان المعني بالتصفية الجسدية في هاته الفرقة الدموية التي طالما عانى من استفزازاتها سكان المدينة الجديدة,هو قائدها الملازم الأول “Brétigny” الذي كان يأتمر بتعليماته جنود هذا اللفيف الجبان,فكانوا يعيثون فسادا بفضل سطوة هذا الضابط الحقير.
فكانت كل محاولات تصفيته تبوء بالفشل,إلى أن اقترح ذات مرة الحاج قادة السبابطي أن ينال شرف هاته المهمة,فكان أن تم تسليمه المسدس الآلي “beretta 9mm”,و رسم هذا الشخص خطة ارتجالية و هو الذي لم يتعلم فنون القنص في الأكاديميات العسكرية,لكنه بالمقابل كان يملك تقنيات حرب العصابات التي ورثها أجداده من زمن “الأمير عبد القادر”.
و جاءت ساعة الصفر و كانت المدينة الجديدة تعّج بالباعة و أصحاب الطاولات في السوق اليومي,و بينما هؤلاء الباعة يزاولون نشاطهم لتلقيط رزقهم كان الملازم الأول “Brétigny” يتزّعم كتيبة اللفيف الأجنبي “la legion etrangere”,و يسّب عند مروره ذاك و يصفع ذاك لأتفه الأسباب كنوع من التحّرش بالجزائريين.
و في أثناء إحدى الخرجات الإستعراضية لذات الضابط,جاء عمي قادة من إحدى الشوارع بالناحية العكسية لتلك الكتيبة المشؤومة,لكنه ما لبث أن توقف و عاد أدراجه مسرعا كنوع من التكتيك,لحق به ذاك الضابط و هو يصرخ توقف “arretez vous”,لكن المعني سارع خطواته و بمجرد انعطافه للشارع المحاذي لمسار الكتيبة التي بقيت مسّمرة لغاية أن يعود إليها قائدها,حدث ما كان غير متوقع.
نعم لقد فعلها عمي قادة ذاك السبابطي الرجل البسيط,الذي أقسم على أن يواصل العمليات الفدائية تحت لواء جيش التحرير إلى أن تنال تالجزائر استقلالها,أو يقضي نحبه دون ذلك,فكانت نهاية ذلك الضابط الطاغية بلا رجعة,أين سقط بعد تلقيه وابلا من رصاص سلاح مسدس “beretta 9mm”,و بينما هو يسبح في دمائه بقي أفراد كتيبته مسّمرين في أمكانهم في انتظار الدعم اللوجيستي من قوات أخرى.
و كانت تلك الحادثة التي لا يزال يتذكرها شيوخ و عجائز حي “المدينة الجديدة”,بمثابة ضربة قاضية تلقاها جنود اللفيف الأجنبي الذين خسروا فردا مهما من أفرادهم,فألف تحية لعمي “قادة” الذي عاش سنوات بعد الإستقلال يزاول فيها نشاطه في تصليح الأحذية,المهنة التي لم يفارقها حتى فارق هذه الدنيا,فألف رحمة تنزل عليه و على أقرانه ممن عاشوا و ماتوا لكي تحيا الجزائر…المجد و الخلود لشهدائنا الأبرار
يتبع
خالتي زولة و السي عبد القادر و إبريق الحرية…الجزائريون يوّجهون التحية لشهدائهم في يوم عرفة