أثار تنصيب المغرب مؤخرا كرئيس لمجلس حقوق الإنسان الأممي العديد من التساؤلات و استهجان العديد من الشخصيات, لعل أبرزهم الخبير الجيوسياسي “أحمد بن سعادة” الذي سبق له و أن اعترض و بشدة و بتقديمه الدلائل الملموسة عبر مقال صحفي مكهرب , أوضح من خلاله مثلما أوضحته جريدة “المقال” الانتهاكات المتكررة التي ما انفك يرتكبها نظام المخزن ضد الشعب الصحراوي الأعزل, و كذا قمعه مرارا و تكرارا لحراك الريف, و ضلوعه في فضائح جاسوسية و كذا تقديمه لرشاوى بالطول و العرض لأعضاء البرلمان الأوروبي.
لكن يبدو أنه رغم اعتراض أحرار العالم من أمثال الدكتور “أحمد بن سعادة” و غيره من طينة “ميشيل كولون” و من على شاكلتهم من الشرفاء, إلا أن ساعة الحسم كتبت المنطق بالمقلوب و سقط العالم في المحظور مجددا , أين أعلنت الأمم المتحدة مطأطأة الرأس بتعيين مستعمر و مستهتر بحقوق الإنسان على رأس رعاية هذه الحقوق على الصعيد العالمي.
فحقا لقد سقط الخبر بوزن الفاجعة, حتى أن الخبير الجزائري “أحمد بن سعادة” صدح قائلا “إنها الكارثة…و ما بقي على الدنيا إلا السلام مشّبها ما حدث بدق آخر مسمار في نعش مجلس حقوق الإنسان الأممي”, متعجبا في نفس الوقت من السكوت المريب لبعض الأطراف التي ما فتئت تصدر عويلا فيما سبق, عندما تعلق الأمر بوضعية حقوق الإنسان في دول من عيار ليبيا و إيران و حتى المملكة العربية السعودية على أقل مقدار.
لكن ما الذي حدث هذه المرة و أين الكلاب التي تهاجم القافلة ككل مرة متسائلا بن سعادة بطريقة تهكمية, مضيفا أم أن الأمر يسير على طريقة كتم الصوت “mute” فبكل اللغات لم نسمع اعتراض من عيار “Rien, niet, nada, walou…”.
و لم يكتف بن سعادة في مقاله على صب غضبه كرأي شخصي للتنصيب الأممي الأخير للنظام المخزني, بل راح يتساءل و يقارن وجهات نظر الدول الأعضاء حول رؤتهم التفاضلية بين الدولتين اللتان ظهرتا للعلن على الصعيد الأممي مؤخرا,قاصدا بذلك جنوب إفريقيا و المغرب المثير للجدل.
و يرى أن مجال المقارنة يكاد يكون منعدم ما بين الدولتين فالأولى جنوب إفريقيا قامت بما لم تقم به دولة على مر التاريخ ,حيث قررت على الملاحقة القضائية لإسزائيل أمام محكمة العدل الدولية نتيجة قصفها الممنهج للشعب الفلسطيني الأعزل في قطاع غزة ,أين لم يتم احترام حقوق الإنسان في هذه النقطة من العالم.
بينما على النقيض الدولة التي دخلت إلى حمام “الإبراهيمية” و باتت تسّبح بحمد الصهاينة نتيجة تطبيع جاء ضد رغبة الشعب المغربي لم ترفع أصبعها و لو لمرة من أجل إدانة ما يقوم به الصهاينة من تشريد و قتل و تجويع وترهيب و دمار , رغم أن المتربع على رأس العرش ما هو إلا رئيس لجنة القدس المفروض أنه المكلف بجماية المقدسات الإسلامية في أرض الديانات التي اغتصبتها الأحذية العسكرية الصهيونية أمام ناظريه في العديد من المرات.
و يبدو من خلال مقال الدكتور بن سعادة أنه أنهك الجانب المغربي من خلال سرده للعديد من المقارنات بينه و بين شرفاء جنوب إفريقيا, كاستشهاده بأن هذا البلد الذي أنجب الزعيم الحقوقي و الأيقونة “نيلسون مانديلا” و الذي قضى 27 سنة سجنا من بينها 18 سنة في معتقل “روبن آيلند”,جعلت تضحييات أمثال “ماديبا” تصنع من جنوب إفريقيا ما هي عليه الآن,حيث باتت تجّر إسرائيل إلى أروقة المحاكم الدولية لأنها سبق و أن عانت الأمرين من تمييز عرقي و عنصري و تعرف جيدا ما يعانيه الفلسطينيين الآن.
و يبدو أن المقارنة تكاد تكون منعدمة بينها و بين نظام المخزن الذي منذ عامين فقط ارتكب مذبحة الأفارقة على أسوار سبتة, و التي بقيت لحد الآن بقدرة قادر جريمة بلا عقاب,كما لا يخفى على الجميع أن المغرب و رغبة لفرض منطق الحديد و النار أسس لمنطق غياهب السجن المرعب تحت مسمى “تزمامارت” من أجل دّك أرواح الأحرار من معارضي النظام الملكي.
و أمام هذه المقارنات المرهقة, يتساءل بن سعادة كيف لبلد غارق في الفساد و انتهاكات حقوق الإنسان أن يترّأس مجلس هاته الحقوق على الصعيد الأممي؟
حيث تأسف الخبير الجزائري في نهاية مقاله الذي جاء على شاكلة صرخة إنسانية, على فقدان الأمم المتحدة لمصداقيتها من خلال سماحها لتنصيب مشبوه كهذا أن يحدث…معتبرا أن تابوت الأمم المتحدة كان ينقصه مسمار و هاهو يدق بشكل رسمي بانتخاب المغرب على رأس مجلس حقوق الإنسان الأممي.