يتفق عقلاء العالم لأول مرة ربما إن لم أبالغ في تاريخ البشرية على أن ما يجري في فلسطين يعتبر أكبر إبادة على مّر العصور, فاقت من خلال فظاعتها ما قام به جانكيس خان و هولاكو و حتى بيزارو و هتلر, فما تعّرضت له غزة ما قبل السابع من أكتوبر و ما بعده فاق كل التوقعات.
و رغم أن ما تقوم به إسرائيل بإيعاز من ولية نعمتها الولايات المتحدة و المتسببة في زرعها ككيان غير مرغوب فيه بالشرق الأوسط بريطانيا بقدر ما أسال أنهارا من دماء الأبرياء, إلا أن هذا الظلم و العدوان كان له جانب كبير من الإيجابية, حيث مع تواصل همجية الكيان الصهيوني تواصل التعريف بالقضية الفلسطينية في إشهار مجاني, أين أضحت حديث العام و الخاص و الكبير و الصغير في مختلف بلدان المعمورة.
و بينما أضحت إسرائيل تتقمص لأول مرة دور المتهم بدل الضحية, بعدما تمت جرجرتها من قبل جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية, أين طالبت الجزائر كأول بلد عربي بإجراءات ردعية لحماية الشعب الفلسطيني باعتبارها تتربع على كرسي أممي, تتهيئ معظم الدول الأوروبية لغسل أيديها بإيعاز من شعوبها من السياسة التسلطية للصهاينة و تحييد التعامل مع إسرائيل.
و عبّر جوزيف بوريل باعتباره رئيسا فعليا للإتحاد الأوروبي عن امتعاضه مما يجري للشعب الفلسطيني معترفا بشكل ضمني بأن ما يجري في قطاع غزة فاق الإبادة التي قام بها هتلر على اليهود أنفسهم, الذين أضحوا ينتقمون بطريقة سادية لما جرى لهم على أظهر الفلسطينيين.
و بينما تقف الولايات المتحدة بمعية بريطانيا موقف المتفرج طفت على الواجهة السياسية مطالب بنقل مجلس الأمن رفقة مبنى الأمم المتحدة من نيويورك نحو مدينة جنيف السويسرية باعتبار سويسرا بلد محايد على عكس أمريكا.
و تأتي هذه الخطوة التي باتت قاب قوسين من تنفيذها على أرض الواقع لتفّجر الهّوة ما بين أمريكا و باقي دول العالم, لتسمح برسم تصّور جديد لخريطة عالمية جيوسياسية جديدة, يتم استثناء أمريكا من خلالها كأحادية قطبية تقود العالم الذي يتجّهز لقيادة جديدة متعددة الأقطاب سمتها الرئيسية التعايش السلمي و انتهاج سياسة رابح/رابح في كل الميادين و المجالات…فحقا صدق من قال أن غزة جلبت العزة.