الأستاذ محمد شارف
الجزء الأخير
تناولت عنقود عنب كان بجانبها ثم قالت “هو قيس بن الملوح بن مزاحم العامري ،وقبيلة بني عامر من بطون بني هوازن ..ولد عام 24هجرية ،وتوفي عام 68ه،وعاش في خلافة مروان بن الحكم وابنه عبد الملك”.
تنحنح هشام وقال:
– جميل ..وأنت ؟
– ماذا عني ؟
– هل أنت غريبة عنه ؟
– كلا ..أنا ابنة عمه ..أنا ليلى بنت مهدي بن سعد العامرية ،وكنيتي أم مالك ،وعشت معه في نفس الفترة ،فهو يكبرني بعامين فأنا من مواليد سنة26هجرية.
وضع هشام القدح أمامه وقال بصوت ملؤه الاحترام لسيدة العشق العربي
في الحقيقة يا سيدتي أنا لا تهمني التواريخ بقدر ما تهمني قصة حبكما
-حسنا ما ذا تريد أن تعرف ؟
– هز هشام رأسه مبتهجا وقال”هناك من يقول بأن أباك كان على خصام مع والد قيس من أجل الإبل والمواشي ،وسطا أبو حبيبك على مال أبيك فرض تزويجك منه”.
– هزت رأسها شبه غاضبة وقالت”أي مواشي وأي إبل ياسيدي ؟فلقد كانت مراعينا واحدة ومرابضنا واحدة ،وكنا كالبيت الواحد ..هذا مجرد كذب وافتراء”
– أشار هشام إلى ليلى بأن تهدأ وقال “بل هناك من يقول بأن قصتك مع قيس من أولها إلى آخرها من اختراع القصاص والرواة”
– وضعت ليلى يدها على صدرها وتنهدت بصعوبة وقالت”انظر إلى تلك الصخرة وذاك الوادي وتلك الكثبان الرملية كلها شاهدة على حبنا وتباركه ، وهل وهؤلاء الذين ينفون قصة عشقنا عاشوا معنا وعرفوا أحوالنا”
غير هشام نبرة الكلام وقال بصوت خافت “لا عليك يا سيدتي فمعظم الرواة يقولون بأن قصتكما حقيقية ولكن بعد موتكما أضاف لها الوضاعون أشعارا كثيرة ،لكن هناك من ينكرها كابن الكلبي وطه حسين وغيرهما”
– أزاحت الخمار المتدلي على جبهتها وقالت ” ولماذا ينكرونها ؟”
-تريث هشام قليلا ثم قال ” أما طه حسين فلا يعنيك أمره لأن الرجل الذي ينكر تراث أمة بكامله لا يصعب عليه أن ينكر قصة عشقكما ،ثم هو نفسه لم يؤسس حكمه على روايات تاريخية موثوقة فقد اعتمد على كتاب الأغاني وراح يقول “أظن..أكاد أجزم ..وغيرهما من العبارات المطاطية التي لا تثبت شيئا ولا تنفيه ،والوقائع التاريخية يا سيدتي نلغيها بالروايات لا بالتخمينات”
-أحست ليلى بنوع من الفرح وقالت ” الحمد لله كل زمن فيه منصفون”
مسح هشام حبات العرق المتصببة على جبينه وقال ” عرفت بأن قيس لم يتزوج ،ومات هائما ووجدوه ميتا بين تلك الصخور،وأنت يا ليلى ماذا عنك ؟
تنهدت بعمق وقالت برنة حزينة”
لقد أرغمني أهلي على الزواج برجل من ثقيف اسمه (ورد بن محمد العقيلي)وقدم لي مهرا قوامه 10من الإبل وهددوني بالقتل إذا لم أقبل به ،فقبلت وتزوجت وعشت معه جسدا بدون روح فازداد قيس نحولا ومرض وجن وهام على وجهه تائها في أرض الله
حوقل هشام وقال ” وهل كنت تتابعين أخباره ؟”
هزت رأسها موافقة وقالت ” سمعت بأن عمي (أبو قيس )أخذه إلى مكة ليسلي عنه وينساني ولكن قيسا قال (اللهم زدني لليلى حبا وبها كلفا ولا تنسني ذكرها أبدا )وقال في شعرا تتفطر منه النفس”
ساد الصمت برهة ثم بدده هشام الوهراني وقال ” تعلمين يا ليلى بأن قصتك شاعت في بلاد العرب كلها وفي فارس والترك والهند والكل زاد فيها ونقص وأعاد كتابتها بلغته ،لكن ما يهمني هنا هل عشت طويلا بعد قيس؟”
طأطأت رأسها وقالت وهي شبه مغتمة ” لم أعش طويلا بل لحقت به سريعا ،ودفن التاريخ معنا كثيرا من التفاصيل التي لا تعرفونها
-أعرف ..أعرف يا ليلى ..نطق هشام هذه الكلمات وهو ينظر إلى حبات الدموع المتساقطة من عيني ليلى وقبل أن يغادرها قالت له سائلة
وأنت أيها الرجل الشهم هل أحببت مثل قيس”
تبسم هشام وقال ” لقد أحببت وكنت يومها صغيرا فجرفتني العواطف بعيدا ولم أتزوج المرأة التي أحببتها ،لكنني لم أفعل مثل قيس فلقد تزوجت وأنجبت أطفالا وتهت في زحمة الحياة ثم شغلتني الحياة عن الحب والهيام بل شغلتني حتى عن نفسي.