يستذكر الجزائريون خلال كل يوم مجيد من بطولات الفسطينيين التي باتوا يكتبون فصولها بالدم و التضحية بالأرواح أيام مضت من ماضي الثورة الجزائرية المجيدة, فما أظهرته عائلة هنية المكافحة من ثباتهم على الحق رغم فقدانهم كل عزيز من عائلتهم بدءا بالأبناء و الأحفاد أصيح مضرب المثل لكل الشعوب التي ترفض الاستعمار و التبعية و تتوق لطعم الحرية.
فالصورة التي ظهرت من خلالها زوجة الشهيد هنية الإبن يوم أمس و هي تواسي إحدى أرامل الشهداء الذين قضوا دفاعا عن مقدسات الأمة و لكي تستعيد فلسطين حريتها قد جابت ربوع العالم, و لاقت الإعجاب و الفخر من لدن العدو قبل الصديق, و كانت بمثابة صفعة قوية في وجه الكيان الغاصب الذي ما انفك يفقد الصورة التي أراد تسويقها للعالم من خلال لعبه دور الضحية بدل الجلاد.
فثبات عائلة هنية ذكّر دونما شك ببطولات الجزائريين خلال حرب التحرير, أين لا يزال أباؤنا و أمهاتنا و أجدادنا و جداتنا يستذكرون بكل فخر زغاريد النسوة و هن يقومون بزف شهداء الثورة من الفدائيين مختلطة بالدموع و ممزوجة بعبق نطق الشهادتين, حتى أن الشهيد نفسه كان قبل أن تفيض روحه يرى هذا المشهد المهيب, الأمر الذي جعل معظمهم بشهادة من عايشوا الأحداث يرون ابتسامة شهدائنا قبل مواراتهم التراب.
فما يحدث الآن في فلسطين و ما حدث في الجزائر من تضحيات عظام و جسام ينبع من سراج واحد, على حد تعبير النجاشي و هو يقارن عظمة الإسلام بما نزل من تعاليم في الإنجيل, فالجزائريون ضربوا مختلف أصناف البطولات ضد الجيش الفرنسي في مختلف الحقب التي واجهوه من خلالها.
فمنذ أن وطأت أولى أقدام علوج فرنسا أرضنا الطاهرة لم يهنؤوا و لو لهنيهة أمام المقاومات الأسطورية للجزائريين, حتى أن معظم المؤلفين و كذا واضعي الخطط العسكرية أصبحوا يدرسون قوة و ثبات الجزائريين نساءا كانوا أم رجالا, و هنا استذكرت و أنا أكتب مذكرات المجاهد الفذ البروفيسور في التاريخ المعاصر السيد “صم منور” أدام الله بقاءه و هو يروي أحد فصول مقاومة الأمير عبد القادر و هي تشارف على نهايتها.
أين أرّخ المعني لما قبل إمضاء معاهدة الاستسلام مع الجنرال “دي لاموريسيار”, و التي جاءت عندما عابش الأمير خذلان جيش المخزن لجيش عبد القادر الذي بدل حمايته راح المغاربة يريدون الانقضاض عليه, و هنا دارت معركة عجيبة أين جعل الجزائريون أطفالهم و نسائهم دروعا بشرية كي لا يسقطوا سبايا و أسرى في أيدي الجبناء.
و كان هذا الموقف هو من عجل بامضاء اتفاقية استسلام جيش الأمير عبد القادر حفاظا على نسل المقاومين الذي علم الأمير أنه سيتكاثر و سوف يحارب الجيل الذي يليه و الجيل الذي يلي ما بعده, حتى تندلع ثورة التحرير التي ينعم حاليا بنتائجها الجزائريون الذين ما انفكوا يعاودون الاصطفاف لجانب الفلسطينيين….فرحم الله جنود جيش التحرير و المجد و الخلود لشهداء كل المقاومات الشعبية منذ أول شهيد سقط في شاطئ سيدي فرج إلى آخر جندي قضى لكي نحيا نحن في عز و كرامة.