
و نحن نَعيش ذكرى تحرير وهران من الاحتلال الإسباني النّهائي (1792)، وهي ذكرى تجعلنا نتذكّر مراحِل الجهاد والمقاومة طيلة ما يقارب ثلاثة قرون قام بها بعض بايات الغرب الجزائري والعلماء والفقهاء والمتصوفة والطّلبة (قرّاء مثل ابن توزينت الشهيد وبن ثابت، والشيخ عبدالقادر بن محمد البوسماحي وسيدي العبدلي وأبوطالب المازوني وابنه هني…).
فقد كلّف صاحب كتاب “الثّغر الجماني” ابن سحنون الرّاشدي اختصار كتاب “الأغاني”، وابن زرفة الدّحاوي بالاستماع إلى شهادات المجاهدين وكتابة “المذكرات” سمّاها “الرّحلة القمرية” وأمر بشرح “مقامات الحريري” وأسس مكتبات.
كان سخاؤه يَصل الفقراء والمحتاجين وكلّ مناطق الجزائر وخارج الجزائر، ومنهم فقراء الحرمين فترة الحج، لجأ إليه أخ ملك المغرب فارّاً من أخيه وأحسن نُزله.
ومن منشآته الكبرى “المدرسة المحمدية” وهو معهد علمي بوهران -اليوم مسجد- تخّرج منه الأمير عبدالقادر وكبار العلماء، وأوصى أن يُدفن فيه من شدة حبّه لطلبة القرآن الكريم ودفاعه عنهم، فهم أولى من أن يُكرّموه ويهدون له ثواب سلكة سنوية بالمناسبة.
المستعمر الفرنسي أراد أن يطفئ ذكراه في قلوب الشّعب الجزائري، ولا يتذكر الجهاد ومعاني التّحرير والأمل في الاستقلال، طَمس المعالم التي تُحيل إليه، فنقل رفاته (عظامه) إلى نواحي البرية (نواحي الكرمة) “مقبرة العصمانية” حسب -ما قيل- واليوم مجهول القبر؟ وحوّل المعهد العلمي “المدرسة المحمّدية” إلى حضيرة لتربية الخنازير نكاية في الدين والتاريخ والذّاكرة وتولّى شؤون هذه الحضيرة يهودي، ولكن بفضل الشيخ الطيب مهاجي -رحمه الله – وبعض الوطنيين في وهران تمّ استرجاعه سنة 1945 وكانت تُصلّى فيه فقط صلاتي الظّهر والعصر.
ألا يَستحقّ هذا المجاهد الهُمام القائد الجزائري-الكردي الذي لقّبه أجدادُنا بالفاتح وغيرها من ألقاب البطولة والشّهامة فله مآثر على الجزائر، وقد شبّهوه بصلاح الدين الأيوبي عناية رسميّة وشعبية؟ أليس ذلك ردّ اعتبار له وللذين حاربوا من أجْل استرداد وهران من طلبة القرآن الكريم وإلا كانت وهران اليوم مثل سَبتة ومليلية؟.