رحم الله المخرج الراحل المتميز حاتم علي الذي صدح ذات مرة بالمقولة التي اتخذتها عنوانا لمقال الرأي “ما قل و دل” لهذا اليوم, أين آثرت النأي بتحليل متواضع عن عالم السياسة و الجيوبوليتيك الذي ضاق به العالم درعا أمام حلف التوازنات و حرب التخابر التي تعمل يوما بعد يوم تحت غطاء عبارة البقاء للأقوى و الأيام دول.
فما يجري في عالم الفن و بالأخص التمثيل يؤكد السقوط الحّر الذي باتت تعرفه المسلسلات التاريخية, و لعل أبرز برهان على هذا الكلام هو مسلسل معاوية رضي الله عنه الذي لم يرق للشخصية الفّذة التي استطاع صاحبها أن يؤّسس لدولة دان لها الحكم قرابة أكثر من قرن من الزمان و أتته وفود الروم صاغرة و استطاع بفضل حنكته توسيع الرقعة الجغرافية لدولة الإسلام و حافظ بفضل فطنته و نباهته كيف لا و هو الملقب بداهية العرب على تماسك الأمة رغم ما مرت عليه فترة ولايته من فتن.
فالمتمّعن لأحداث المسلسل لم يكد يلمس الروح الحماسية التي ألفناها في مسلسلات من عيار هارون الرشيد و عمر بن العاص و أبو حنيفة النعمان في عهد الثمانينات و بداية التسعينات أين استطاع المصريون التأريخ بامتياز بأعمال متميزة رغم اقتصار التمثيل فيها في استديوهات المدينة الإعلامية بالقاهرة لا غير, و غير بعيد عن الحقبة الحالية فيبدو أن مسلسل عمر بن الخطاب كان أكثر جرأة و حماسة من مسلسل معاوية رغم ما شابه من لغط.
فمسلسل معاوية كان الأجدر بالقائمين عليه التركيز على الفترة النبوية و علاقة داهية العرب بالمتغيرات التي شابت تلك الفترة التي كان فيها أبو سفيان سيدا لقريش, و أمه هند من أشراف حرائر الجزيرة العربية, و تبدو القفزة التي جّرت المشاهد من عهد النبوة لعهد تمّكن بني مروان من الحكم مقصودة من أجل تفادي بعض الحساسيات, لكن تجاوز هكذا مراحل يسيئ للقائمين على العمل و يعتبر إهدارا للمال دون التأريخ لشخصية ينبغي أن يتعرف عليها المشاهد عن كثب عبر الأحداث التاريخية, خصوصا أن تلك الفترة بدأت من خلالها الفرقة السياسية التي تحولت لفرقة طائفية و مذهبية رويدا رويدا.
و رغم الحصيلة المالية الكبيرة التي أغدقت على المسلسل و استخدام آخر صيحات التكنولوجيا السمعية البصرية و المؤثرات الصوتية, إلا أن زخمه لم يكد يبقى سوى جهد مهدور لا غير, فعلى النقيض فمسلسلات تاريخية من عيار عمر المختار للمخرج الراحل مصطفى العقاد و كذا صقر قريش و ربيع قرطبة و أيضا ملوك الطوائف بقيت بمثابة أيقونات على مدى السنوات , حيث تعّرف من خلالها المشاهد على شخصية شيخ المجاهدين في ليبيا و كيف جابه سطوة و جبروت الإيطاليين, و كذا شخصية محمد بن أبي عامر التي عرف حاتم علي كيف يخرجها من العدم إلى الوجود دون نسيان شخصية المعتمد بن عبّاد ذاك الأمير الشاعر التي أبكت قصته الجميع بلا استثناء أين أكمل حياته كمتشرد في مدينة أغمات بعدما عاش حياة البذخ في إشبيلية.
و نحن نتابع رغما عنا مسلسل معاوية ما عسانا أن نقول سوى عذرا لكاتب الوحي الذي لم يجد من يجّسد شخصيته بامتياز فرحم الله معاوية الذي ظلم في حياته و حتى من خلال تجسيد شخصيته.