بينما لم تعرف أزمة غزة المبادة عن بكرة أبيها حّلا وسطا يحمي حقوق الفلسطينيين, تكرم من خلاله أرواح المقبورين تحت الأنقاض بدفن لائق, و إشباع من أنهكه الجوع و تأمين من غلب عليه الخوف و الفزع و الهلع فيما يخص البقية المتبقية التي تصارع ويلات مجاعة مأساوية.
و بينما لم تتدخل معظم القوى العالمية التي بقيت تلبس دور المتفّرج لحاجة في نفس يعقوب, يبدو أن أحرار العالم باختلاف مشاربهم و نحلهم و مللهم, لم يأبوا أن يبقوا مجرد مشاهدين متفرجين على ما يجري لإخوتنا الغزاويين.
فنقلوا معاناة الغزاويين إلى ميدان العالم الافتراضي, ما دام أن العالم الحقيقي تخلى عنهم و يرفض إنصافهم, حيث طالب جموع أحرار العالم بتدخل عسكري عالمي آني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أنفس خارت قواها, و أطفال تبّخرت أحلامهم و يتامى و ثكالى لا يسمع إلّا أنينهم, و رجال أرهقهم الوضع المتأزم حتى فاضت عيونهم.
فغزة لم تعد مجرد رقعة جغرافية ذات دلالة قدسية, بل باتت مصير مشترك لكل أحرار العالم , فهم يرون فيها ما يعانيه كل من يقول “لا” أو مجرد أن يتجّرأ لقول “لا” على أي وضع مأساوي غير مرغوب فيه, و يرون فيها أيضا موطنا لكل من يصدح بافتخار في وجه التمييز العنصري و الديني و العرقي.
فالخطب لم يعد مجّرد تحرير أرض و ساكنيها من براثن الظلم و الهمجية البربرية الصهيونية, بل بات التدخل العسكري في هذه الحالة يشّكل حالة إنسانية لا بد من خوضها.
فمن خلال هذا التدخل العسكري الذي يطالب به أحرار العالم, سوف تلعب الطائرات من خلاله دور حمامات السلام, و ستشّكل فيه القنابل دور قطرات الندى التي تأتي لتغيث أطفال في عمر الزهور’ و عجائز و شيوخ لم يظنوا يوما أن الإنسانية ستنقلب عليهم لتعاقبهم لأجل انتمائهم و أرائهم, و ثبوتهم في سبيل قول كلمة “لا” للظالمين.
فكان الله في عون غزة و أهلها, و دوما من منبرنا ستظّل القبعة مرفوعة لكل من تحالف مع الخير ضد قوى الشر, و كلنا مع الأصوات القادمة عبر الفضاء الافتراضي إلى العالم الحقيقي من مشارق الأرض و مغاربها و من شمالها إلى جنوبها نضيئ و ننير درب غزة بهاشتاق “احموا فلسطين” بتدخل عسكري عاجل.