ما قل ودل

جماجم شهدائنا أشرف من أن تستبدل برأس حركي عميل

رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون و هو ينحني إجلالا للقافلة الأولى لجماجم الشهداء التي تم استرجاعها

شارك المقال

تعلم فرنسا جيدا الغّصة التي في صدور الجزائريين من بقاء جماجم شهدائهم قابعة في متحف الإنسان في باريس بدون إكرامها بالدفن اللائق الذي يليق بأشاوس عظام, انتقم منهم الاستعمار لكي لا تلد الجزائر مرة أخرى أمثال الأمير عبد القادر و المقراني و الشيخين بوعمامة و الحدّاد و غيرهم من كرام القوم, لكن رغم قمع ثورات هؤلاء الرجال الذين يبقى فضلهم علينا إلى يوم يبعثون, و رغم تعليق رؤوسهم الشريفة في رفوف متحف الإنسان, إلا أن حرائر الجزائر لم يتوّقفن يوما عن صناعة الرجال إلى أن يرث الله الأرض و من عليها, فمن أحمد زبانة بعدهم إلى العقيد لطفي و السي الحواس و عميروش و أسماء ثقيلة يعلو ذكرها و يسمو و تميل كفتهم على فرنسا بمعية أباطرتها و ماريشالاتها الذين زّكوا الإجرام و القتل و النهب و التعذيب, لا تزال الجزائريات تلدن إلى حد الآن و إلى قيام الساعة خيرة الرجال.

فما صدحت به إحدى الصحفيات خلال حوار حول الأزمة الجزائرية-الفرنسية تم بثه على قناة “فرانس أنتير” مؤخرا, حين دعت إلى مبادلة رأس العميل بوعلام صنصال بجماجم الأشاوس الأحرار, لا يرقى أبدا إلى مبدأ المقايضة فإن ذات العملية لا ترقى إلى مراتب شهدائنا خصوصا و أن في الجهة المقابلة حركي خسيس و عميل بلا شرف, حيث جانبت تلك الصحفية الصواب لأنها لا تعلم حجم تقديس الجزائريين لشهدائهم, فهم لا يريدون أن ينزل شرفاؤهم للمرتبة التي تليق بخائن وضيع.

لذا نجيب هاته الصحفية على وجه الخصوص و الفرنسيين عموما بدورنا من منبر جريدة “المقال” بأن  عودة جماجم كبرائنا و شرفائنا و نقبائنا لن تكون سوى باحتفال يليق بمن آمن بجزائر حّرة مستقلة, و دفع روحه الطاهرة في سبيل استرداد ما سلب منها من قبل مستعمر غاشم لا يعرف معنى هذا الشرف و نفس الشيئ بالنسبة لمن اقترحت هذا المقترح الرخيص.

فما لا يعرفه العالم و الدول على مقاس فرنسا و من نصب العداء المجاني لنا, أننا أمة باع شهداؤها دنياهم بأخراهم, فمنهم من كان في مرتبة الأغنياء لكنه لم يرض بالذّل و الخنوع الذي كان تعيشه الشريحة العظمى من أبناء شعبهم, فباع الرخيص ليعانق الغالي و هي الشهادة في سبيل أن يعيش الأبناء و الأحفاد في كنف الحرية.

فالأمير عبد القادر اختار مثلما اختار أسلافه الذين ينتهي نسبهم إلى الدوحة الشريفة درب الشهادة و آثر الحفاظ على ما بقي من النسل حتى تعود شعلة الكفاح للاشتعال مجّددا مجّسدة في ثورة التحرير المباركة, و هو بذلك لم يقد الجزائريين إلى حرب خاسرة, بل صّحح لهم دربهم بعد مائة عام أو يزيد تماما تأسّيا بما فعل جده الحسن السبط رضي الله عنه عندما تنازل طواعية للحكم لمعاوية لغرض حقن دماء المسلمين.

و لعل ما فعله بوبغلة و المقراني و الشيخ بوعمامة و من بايعهم على درب الشهادة لا ينبغي أن يتركوا بدون أن تعود جماجمهم الشريفة إلى أرض الجزائر الطاهرة لتلامس ترابها النقي, و حتما جزاء من فعل بهم ما آلوا إليه سيكون من جنس عملهم, فالعدو الفرنسي كان غرضه من خلال احتجازه الجماجم الشريفة, هو كبح جماح ثورة الأحرار لكنه لم يعلم حينها و يبدو أنه لا يزال على درب الجهل لا يعلم بأنه يتعامل مع أمة لا تزول بزوال رجالها و لا تقايض شرفائها من علّية قومها بأراذل و أبخس من باعوا دنياهم و خسروا آخرتهم…و الحديث قياس.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram