ما قل ودل

فيرناند إيفتون…جزائريته قادته شهيدا تحت المقصلة

شارك المقال

كان فيرناند إيفتون من بين الشخصيات التي لعبت دورا محوريا في استقلال الجزائر و ضمن من باعوا فرنسيتهم ليشتروا بكل وقار جزائريتهم , كيف لا و هو من اختار الميل نحو جزائريته باعتباره ولد و ترعرع في أرضها و رفض أن ينصاع لأوامر الفرنسيين الذين كانوا ينظرون للجزائريين على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية.

يُعد فيرناند إيفتون أحد الأسماء اللامعة في تاريخ الثورة الجزائرية، لا لكونه فقط مناضلًا ضد الاستعمار الفرنسي، بل لتميّزه بكونه الأوروبي الوحيد الذي نُفذ فيه حكم الإعدام في سياق الثورة، بعد انضمامه إلى صفوف جيش التحرير الوطني. يجسد إيفتون حالة نادرة من التحول الأيديولوجي الجذري، حيث تخلى عن امتيازاته كمستعمر، وانحاز إلى القضية الجزائرية، مؤمنًا بعدالتها ومضحّيًا بحياته في سبيلها.

النشأة والتكوين

ولد فيرناند إيفتون بتاريخ 11 جوان 1926 بمنطقة سالومبي (المدنية حاليًا) بالعاصمة الجزائرية، لأب فرنسي وأم إسبانية من المعمرين الأوروبيين. نشأ في بيئة استعمارية، لكنه اختار لاحقًا الوقوف في صف المظلومين بدلًا من المستعمرين. انخرط في الجيش الفرنسي بصفته ضابطًا (ملازمًا)، إلا أن مشاهد القمع والعنف الاستعماري ضد الجزائريين دفعته إلى إعادة النظر في موقعه داخل المنظومة الكولونيالية.

التحوّل السياسي والانخراط في النضال

تأثر إيفتون بالفكر اليساري، وانضم في البداية إلى الحزب الشيوعي الجزائري الذي كان يتبنى موقفًا مناهضًا للاستعمار. ومع تطور الأحداث، التحق بالفرق المسلحة التابعة للمناضلين اليساريين، التي كانت تنشط خاصة في الولاية الرابعة التاريخية. وبفضل الاتفاق الذي وُقع بين الحزب الشيوعي وجبهة التحرير الوطني، تم دمج هذه الفرق في صفوف جيش التحرير، ما أتاح لإيفتون المشاركة الفعلية في الكفاح المسلح.

النشاط المسلح والاعتقال

شارك إيفتون في ما عُرف بـ”معركة الجزائر”، ضمن ما يسمى بـ”كومندو الجزائر العاصمة”، الذي كان يستهدف المنشآت الاقتصادية الحيوية التابعة للسلطات الاستعمارية. وفي 14 نوفمبر 1956، حاول وضع قنبلة بالقرب من خزان للغاز بمنطقة الرويسو، غير أنها لم تنفجر، مما أدى إلى اعتقاله بعد يومين، في 16 نوفمبر.

اقتيد إيفتون إلى سجن بربروس (سركاجي لاحقًا)، حيث تعرض للتعذيب، ثم تمت محاكمته والحكم عليه بالإعدام. وفي 11 فيفري 1957، تم تنفيذ الحكم بواسطة المقصلة، رغم المطالبات الدولية واليسارية بوقف الإعدام.

فرانسوا ميتيران هو من أصدر حكم الإعدام بالمقصلة

الموقف الفرنسي من قضيته

تعد قضية إيفتون واحدة من أبرز الأمثلة على تناقضات الجمهورية الفرنسية إزاء مستعمراتها. فبينما كان البعض داخل فرنسا ينادي بالعدالة وحقوق الإنسان، وافق وزير العدل حينها، فرانسوا ميتران، على تنفيذ حكم الإعدام، رافضًا العفو. وقد كشف المؤرخ الفرنسي بنيامين ستورا في كتابه “فرانسوا ميتران وحرب الجزائر” عن تفاصيل هذا القرار، ما ألقى بظلال من الشك على صدقية الخطاب الحقوقي الفرنسي آنذاك.

إرث فيرناند إيفتون ورمزيته

يُعد إيفتون رمزًا فريدًا للتضامن الأممي مع القضايا العادلة. فقد خاض نضاله من منطلق قناعات إنسانية وأخلاقية، وليس فقط من منطلق انتماء عرقي أو وطني. كما أن إعدامه شكّل صدمة حتى في الأوساط اليسارية الأوروبية، حيث أدانت جبهة التحرير الوطني والدول الشيوعية تنفيذ الحكم، واعتبرته فعلًا شائنًا.

لتبقى قصة فيرناند إيفتون واحدة من أبرز الشهادات على أن النضال ضد الاستعمار لم يكن حكرًا على فئة أو عرق معين، بل كان جامعًا لكل من آمن بحرية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها. واستحضار سيرته اليوم هو تذكير بقيمة الالتزام الأخلاقي والإنساني، الذي يمكن أن يتجاوز حدود الأصل والانتماء.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram