بقلم: صلاح الدين بن دربال
تشهد محافظة السويداء في جنوب سوريا حالياً مواجهات عنيفة بين “جيش الجولاني” ،من جهة، و الدروز من جهة أخرى، في تصعيد ينذر بانفلات أمني وطائفي خطير. اندلعت الاشتباكات بشكل أساسي إثر عمليات اختطاف متبادلة على خلفية طائفية بين عشائر البدو السنية والفصائل الدرزية، ما أدى إلى سقوط عشرات القتلى والمصابين، وخروج الوضع عن السيطرة، حتى تدخلت قوات وزارة الدفاع السورية لقمع النزاع.
لكن ذلك قوبل بمقاومة درزية أدت إلى مزيد من المواجهات الدامية، حيث قتل 18 عنصراً من الجيش، وأسر عدد منهم من قبل دروز. يضاف إلى تهديدات الاقتتال الداخلي التدخل الإسرائيلي، الذي شن غارات جوية على دمشق ومحيط السويداء في إطار دعم طائفة الدروز مقابل الحكومة السورية.
الأحداث في السويداء اليوم تحمل أصداء مؤلمة من تاريخ الطائفية والاقتتال الأهلي في سوريا، لاسيما فهي تذكرنا بمجزرة 1860 التي شهدتها منطقة جبل لبنان ودمشق بين الدروز والمسيحيين، والتي راح ضحيتها آلاف الأبرياء من الطرفين. في تلك الحقبة، تفاقمت الفتن الطائفية إلى صراعات واسعة الشمل تتسم بالعنف والقتل.
لكن من أبرز ما يذكر فيها هو بروز شخصية الأمير عبد القادر الجزائري، الذي قام بدور بطولي ووَسطي لإنقاذ المسيحيين من المجازر، وقام بوأد الفتنة في مهدها بإصراره على حماية الأبرياء من كل الأطراف، و اعتبر من حينها رمزاً عالميا للإنسانية والتسامح في مواجهة الطائفية والصراعات.
و يشكل الاقتتال الدائر في السويداء اليوم حالة مأساوية تعكس هشاشة الاستقرار الأمني والاجتماعي في سوريا، وتذكيراً قاسياً بأهمية إرادة التسامح والحوار الوطني لمنع الانزلاق نحو حرب أهلية جديدة.
و في ظل تداخل الأبعاد المحلية والإقليمية، ودخول الكيان الصهيوني طرفا رئيسا في الميدان، يضاف إلى ذلك التوتر الطائفي وسط مجتمع متعدد الطوائف كسوريا، يصبح دور الشخصيات والوحدات الوطنية مثل ما فعل الأمير عبد القادر قبل قرون أمراً ملحاً للحفاظ على نسيج المجتمع و درءا للفتنة.
فترجمة هذا الدرس التاريخي إلى واقع سياسي أمني في الوقت الراهن حتما سينهي الاقتتال الحالي في السويداء و هو ما يعتبر السبيل الوحيد لحماية المدنيين وإنقاذ المحافظة و سوريا من المزيد من الدمار والاقتتال.