ما قل ودل

المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تدين فرنسا في قضية التنميط العرقي

شارك المقال

يمثل حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الصادر في 26 جوان 2025 ضد فرنسا محطة مفصلية في النقاش الدائر حول ظاهرة التنميط العرقي داخل أجهزة الشرطة الأوروبية، ولا سيما الفرنسية منها. وتأتي هذه الإدانة لتؤكد على أن الممارسات الأمنية القائمة على أسس عرقية تشكل انتهاكاً صارخاً للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى رأسها المساواة أمام القانون وعدم التمييز.

مفهوم التنميط العرقي

يشير التنميط العرقي إلى أحد أشكال التمييز العنصري المؤسسي، حيث يتم التعامل مع الأفراد أو إخضاعهم لإجراءات استثنائية (مثل التوقيف أو التحقق من الهوية) استناداً إلى ملامحهم الجسدية أو أصولهم الإثنية، وليس إلى سلوكهم الفعلي أو شبهات موضوعية. وتُعد هذه الممارسة انتهاكاً للمادة 14 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تحظر التمييز بكافة أشكاله.

قضية كريم طويل…مثال واقعي

تعود القضية إلى عام 2011، حينما تعرض المواطن الفرنسي كريم طويل لثلاث عمليات توقيف متتالية في مدينة بيزنسون خلال فترة لا تتعدى عشرة أيام. وقد اعتبر أن هذه التوقيفات لم تكن نتيجة مخالفات محددة، بل بسبب انتمائه العرقي وملامحه ذات الأصل العربي.
المنظمات الحقوقية، على غرار هيومن رايتس ووتش، وصفت هذه التوقيفات بأنها “تعسفية” و”غير قانونية”، معتبرة أن الشرطة الفرنسية تنتهج أسلوباً ممنهجاً يقوم على الاشتباه العرقي. المحكمة الأوروبية بدورها أقرت أن الحكومة الفرنسية فشلت في تقديم “مبرر موضوعي ومعقول” لهذا السلوك، ما يجعلها حالة واضحة من المعاملة التمييزية. وبناءً على ذلك، قضت المحكمة بتعويض المدعي بمبلغ 3 آلاف يورو، في سابقة قضائية هي الأولى من نوعها ضد فرنسا.

أبعاد حقوقية ومؤسساتية

لا يمكن فهم هذا الحكم بمعزل عن السياق الأوسع الذي كشفته تقارير سابقة:

  • تقارير المنظمات الحقوقية: أشارت كل من العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش إلى أن التنميط العرقي “متجذر بعمق” في ممارسات الشرطة الفرنسية.

  • دراسات ميدانية: أظهر تقرير “المدافع عن الحقوق” (2024) أن 26% من المواطنين تعرضوا لعمليات تحقق من الهوية في السنوات الخمس الأخيرة، مقارنة بـ16% فقط سنة 2016، ما يعكس ارتفاعاً مقلقاً.

  • البعد الأممي: تم رفع شكاوى إلى لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، ما يضع فرنسا أمام التزاماتها الدولية.

انعكاسات الحكم

يشكل هذا الحكم سابقة قضائية ستؤثر على:

  1. السياسات الأمنية الفرنسية: حيث ستُجبر الحكومة على مراجعة إجراءات التحقق من الهوية لضمان توافقها مع المعايير الدولية.

  2. الخطاب الحقوقي الأوروبي: إذ يعزز الحكم الجهود الرامية إلى مناهضة التمييز المؤسسي داخل أجهزة إنفاذ القانون.

  3. الوعي المجتمعي: باعتباره رسالة قوية للمجتمعات المتضررة بأن حقوقها مكفولة وأن العدالة متاحة على المستوى الأوروبي.

و تكشف قضية كريم طويل وما نتج عنها من إدانة لفرنسا عن التوتر القائم بين ضرورات الأمن ومتطلبات احترام حقوق الإنسان. ويؤكد حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن الأمن لا يمكن أن يكون على حساب المساواة، وأن التنميط العرقي ليس فقط ممارسة غير قانونية، بل تهديداً مباشراً لقيم الديمقراطية والتعايش داخل المجتمع الفرنسي والأوروبي.

المصدر: الوكالات

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram