ما يحدث في سوريا من خلال الحركة الاستيطانية الخاطفة التي قام بها شردمة من الصهاينة الذين ظهروا في شريط فيديو و هم يقومون بتأسيس لبنة أولى المستوطنات لهم في أحواز دمشق, ما هي إلا خطوة من مشروع إسرائيل الكبرى الذي خرج به المعتوه نتانياهو مؤخرا, و هو نفس المشروع الذي يموت و يحي من خلاله اليهود المتطرفون منذ أن نجحت فكرة زرع الكيان بإيعاز من تيودور هيرتزيل و بمباركة وعد بلفور.
و رغم إعادة هؤلاء الشردمة المتصهينون إلى مستوطناتهم بحجة أن الأمر كان ذا تدبير فردي, إلا أن ذات التصرف يعتبر أول بوادر طوفان مشابه لما جرى لأهلنا في الأندلس منذ قرون خلت, الذين حين استحكم لهم الأمر في شبه الجزيرة الأيبيرية و بسبب حب الزعامة تارة, و حب الخروج عن طاعة ولي الأمر تارة أخرى, و بسبب تسّلط طائفة بالحكم دون أخرى على أساس عرقي أو مذهبي, استفحل أمر التقسيم في الأندلس لتبدأ سنين القحط لملوك الطوائف, و التي يعتبرها المؤرخون بأولى بوادر السقوط.

بدايتهم كانت بسقوط طليطلة و بدايتنا بإسقاط بغداد
لا يختلف اثنان بأن سقوط بغداد كانت مربط الفرس لهزائم مدوية لم يجاريها سوى سقوط فلسطين من ذي قبل, فسقوط بغداد يجاري في سقطته ما جرى لأهلنا في طليطلة أولى الأراضي التي سقطت في يد النصارى بعد سقوط دولة الأندلس, و بعدها لعشر سنين انطفاء وهج الدولة العامرية التي تنسب إلى المنصور ابن أبي عامر, فما حدث في الأندلس يشبه تماما في فالسيناريو ما يحدث لأمتنا الآن, أين أسندت مهمة تدمير ما بناه المسلمون في الأندلس لثمان قرون ليهود الأندلس الذين اندسوا مثلما اندسوا في فلسطين و كانوا معاول هدم بأيدي الصليبيين.
فما حدث في أحواز دمشق مؤخرا يشبه بدايات سقوط الأندلس و عبر نفس المعاول, و هناك صدح أحد الشعراء الذي عاصر الحدث قائلا حينها:
يا أهل أندلسٍ شدّوا رواحلكمُ فما المقامُ بها إلا من الغلطِ
الثَّـوْبُ يُنْسَـلُ مـِنْ أَطْرَافِهِ وَأَرَى ثَوْبَ الْجَزِيرَةِ مَنْسُولاً مِنَ الْوَسَطِ
مَنْ جَاوَرَ الشَّرَّ لاَ يَأْمَنْ بَوَائِقَهُ كَيْفَ الْحَيَـاةُ مَـعَ الْحَيَّاتِ فِي سَفَطٍ

ما يأخذه ترامب اليوم يعادل جزية ألفونسو بالأمس
حقا ما نراه اليوم في تسابق بعض الحكام لمد يد العون لعظيم الأمريكان دونالد ترامب من خلال استفادة زعيم العالم الجديد من مئات التريليونات من الدولارات, يشابه أيضا ما أخذه ألفونسو بالأمس, و ما بعده من زعماء قشتالة و نافار و ليون, فرغم مهادنة ملوك الطوائف لزعماء هاته الممالك, إلا أن ظاهر تلقي الجزية التي كانت تتضاعف عام بعد عام كان باطنه الإحتلال بعدها, فكانت البداية كما أشرنا بطليطلة و ليتوالى السقوط حتى وصل إلى قرطبة, و هّلم جّرا حتى قضي على ثمانية قرون من التواجد الإسلامي بسقوط غرناطة و تسليم مفاتيحها عن ذل من قبل حاكمها أبو عبد الله الذي ظل يحمل لقب الصغير “EL CHICO”, و هي التسمية التي سمّاه إياها الملكين الكاثوليكيين فيردناند و إيزابيلا.

تطبيع ملوك الطوائف انتهى بنفس ما سينتهي به تطبيع اليوم
و ما يقوم به بعض الحكام اليوم من خلال التطبيع مع ما يسمى الكيان الصهيوني, سبق و أن قام به ملوك الطوائف بالأمس لكن يبدو أن سياسة المهادنة تلك لم تجد نفعا و انتهت ممالك الطوائف في مهلكة السقوط الواحدة تلوى الأخرى, فما نراه اليوم من خلال فرش البساط الأحمر لمرتكبي المجازر في حق إخواننا في فلسطين و تمتين العلاقات معهم من خلال التبادلات السياحية و العسكرية و التجارية, سبق و أن قام بها ملوك الطوائف لكن دون جدوى, فمهادنة الأمس تحمل نفس تطبيع اليوم و النتيجة حتما واحدة و الأيام سوف تجيب مستقبلا عما يريد البعض التغطية عنه في الوقت الراهن.
حصار غزة يعادل حصار غرناطة…مع اختلاف في المنطق الزمكاني فقط
ما يجري لأهلنا في غزة من تجويع و تشريد سبق و أن عانى أهلنا منه في غرناطة و غيرها من مدن الأندلس التي تساقطت تباعا, فحسب مؤرخي تلك الفترة من عيار ابن كثير و لسان الدين إبن الخطيب و كذا أبو البقاء الرندي فإن أهل الممالك المحاصرين اضطروا لأكل القطط و الكلاب مؤثرين بذلك عدم التسليم طامعين في أن يأتيهم المدد من أمراء ملوك الطوائف المجاورين لهم, لكن رؤيتهم لبعض من الجيش القشتالي يتكون من بعض ألوية بني جلدتهم أسقط كل روايات الصمود و البقاء في الوحل و بات الاستسلام أمرا محتما على طريقة اغتيال القيصر الروماني من قبل صديقه المقرب بروتوس.
فكل الظروف هي مشابهة حاليا في غزة, حيث تخلى عنهم الأصدقاء و الرفقاء و بقي الغزاويون يحملون وحدهم حلم الثبات منتظرين غذا أفضل و إن لناظره لقريب.

تضحيات السنوار يقابلها استبسال إبراهيم العطّار
رغم أن الزمان و المكان يختلفان لدى أسود غزة و غرناطة لكن أبطالهما الذين سقطوا فداءا للإبقاء على العزة و الكرامة العربية يتساوون في ميدان النخوة و الشرف, فما فعله الشهيد يحيى السنوار من خلال رفضه للتسليم و كل مظاهر الاستبسال التي قام بها صوتا و صورة قبيل استشهاده بقليل عبر اللقطات على المباشر التي نقلتها مسيرة الدرون, هي نفسها التي نقلها التاريخ المروي عن إبراهيم العطار و غيره ممن رفضوا تسليم غرناطة للنصارى و قاتلوا و اختاروا الشهادة على العيش في ذل و هوان فحقا ما أشبه اليوم بالبارحة.