شهد القضية الفلسطينية منذ عقود سلسلة من الانتهاكات الممنهجة التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، غير أن التطورات الأخيرة في قطاع غزة قد بلغت مستوى غير مسبوق، حيث أعلنت الأمم المتحدة رسمياً حالة المجاعة في القطاع، في سابقة تُعدّ الأولى من نوعها في تاريخ المنطقة. هذا الإعلان يعكس حجم المأساة الإنسانية، ويؤكد أن ما يجري ليس مجرد تداعيات لحرب، بل سياسة ممنهجة قائمة على سلاح التجويع كآلية للإبادة والضغط السياسي. وفي هذا السياق، برز الموقف الجزائري كصوت قوي في الإدانة والتحذير، مؤكداً على ضرورة تدخل المجتمع الدولي بشكل عاجل.
المجاعة كسلاح سياسي واستراتيجي
من الناحية القانونية والإنسانية، يعتبر فرض التجويع الجماعي على المدنيين جريمة حرب وفق القانون الدولي الإنساني، ويمثل خرقاً صارخاً لاتفاقيات جنيف. غير أن الاحتلال الإسرائيلي يتعامل مع هذه الأداة باعتبارها خياراً سياسياً ممنهجاً يندرج ضمن مخططات أوسع، تشمل:
-
مشروع التهجير القسري عبر دفع السكان إلى ترك أراضيهم نتيجة انهيار الأوضاع المعيشية.
-
إعادة احتلال قطاع غزة تحت غطاء “إدارة الأزمة الإنسانية”.
-
الترويج لمفهوم إسرائيل الكبرى، بما يحمله من مخاطر على مستقبل القضية الفلسطينية برمتها.
الموقف الجزائري و إدانته المطلقة للاحتلال الصهيوني
أصدرت الجزائر بياناً شديد اللهجة عبر وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية في الخارج والشؤون الإفريقية، عبّرت فيه عن إدانتها المطلقة لهذه السياسات، واعتبرت أن حالة المجاعة لم تنشأ بفعل عوامل طبيعية أو ظرفية، بل نتيجة تخطيط مسبق ومدروس من قبل الاحتلال.
-
أكدت الجزائر أن هذه السياسات تمثل جزءاً من حرب إبادة ممنهجة تستهدف إضعاف الشعب الفلسطيني وكسر إرادته.
-
دعت المجتمع الدولي، خصوصاً مجلس الأمن، إلى تحمل مسؤولياته والعمل على إبطال مشروع إسرائيل الكبرى.
-
شددت على أن الحفاظ على مقومات حل الدولتين يمثل الركيزة الأساسية لأي تسوية عادلة ودائمة.
البعد الدبلوماسي والالتزام الدولي للجزائر
تؤكد الجزائر، بصفتها عضواً حالياً في مجلس الأمن، التزامها بالعمل الدبلوماسي المكثف دعماً للقضية الفلسطينية. ويمكن تلخيص هذا الالتزام في ثلاث مستويات:
-
المستوى الإنساني: الدعوة إلى التدخل العاجل لإنهاء الكارثة الإنسانية غير المسبوقة.
-
المستوى السياسي: الدفع باتجاه تسريع الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
-
المستوى القانوني: العمل على فضح الاحتلال دولياً باعتباره المسؤول المباشر عن سياسات الإبادة والتجويع.
المجتمع الدولي بين التنديد والمسؤولية
الإعلان الأممي عن المجاعة في غزة يضع المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي وقانوني غير مسبوق. فالتقاعس عن التدخل يعزز منطق القوة على حساب الشرعية الدولية، ويهدد بنسف ما تبقى من منظومة حقوق الإنسان. وهنا تبرز أهمية المبادرات الجزائرية في الدفع نحو عمل جماعي يضمن وقف الانتهاكات، والحفاظ على الحد الأدنى من شروط الاستقرار الإقليمي.
لذا فإن إعلان المجاعة في غزة يكشف بوضوح أن الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي قد تجاوز البعد العسكري والسياسي إلى مستوى الإبادة الجماعية المقنّعة عبر أدوات اقتصادية وإنسانية. وفي ظل هذه الظروف، يكتسي الموقف الجزائري أهمية مضاعفة، باعتباره يعكس ثباتاً مبدئياً في نصرة الحق الفلسطيني، وفي الوقت ذاته يُشكل دعوة صريحة للمجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته قبل فوات الأوان. إن إنقاذ غزة اليوم ليس فقط واجباً إنسانياً، بل هو أيضاً اختبار حقيقي لشرعية النظام الدولي وقدرته على حماية الشعوب الضعيفة من سياسات الإبادة والتهجير.