ما قل ودل

الغزاويون يواجهون الوضع بالإبادة و التجويع…إسرائيل تطيح بحكومات من الخارطة السياسية

صورة أخيرة لحكومة هولندا التي تزعزعت بالاستقالات

شارك المقال

لأول مرة في تاريخ السياسة العالمية و الذي لم يتعرض له حتى جهابدتها من عيار بن خلدون في ديوانه العبر و مكيافيلي في كتابه الأمير, يطاح بحكومة التي حتما سيتبعها انهيار حكومات و يستقيل وزراء في قضية دولية من المفروض أنها لا تخص دول بعينها, إلا أن الإنسانية باتت المصير المشترك ما بين انهيار حكومات و ما يجري في غزة.

قضية الحال هي ما يجري في هولندا التي برهنت بأنها راعية الإنسانية, حيث بعد استقالة وزير خارجيتها التي جاءت بعدها تباعا انهيار عدة حقائب من صحة و تربية و تعليم و كذا البيئة و الشباب و الرياضة و غيرها, تكون هولندا أثبتت مجّددا للعالم أنها ملاذ المستضعفين في كل الأوقات.

لولا هولندا ما استقوت أمريكا

فكما يعلم الجميع بأنه لولا هولندا ما استّثب الأمر لأمريكا لحكم العالم اليوم, فمعظم النسيج الاجتماعي الراقي في أمريكا و نعني بذلك الطبقة السياسية الحاكمة التي تعاقبت على حكم العالم الجديد كان معظمه إن لم نقل كله من المستضعفين الإيرلنديين البروتستانت الذين فّروا من ويلات جحيم حكم الملك البريطاني حينها, الذي اختلق لنفسه مذهبا مسيحيا يجيز لنفسه كل شيئ و يمنع عن شعبه معظم الأشياء, إلا ما ارتضاه هو لمواطنيه الذين كان معظمهم من الفلّاحين المغلوبين على أمرهم.

فمن هذه البيئة السياسية الدينية انبثق مذهب ديني مسيحي آخر عرف فيما بعد بالبروتستات, أي الرافضون للوضع الراهن الذي ارتضاه لهم الملك جورج و رفضوا الانصياع لأوامره, فكانت دعوتهم للانشقاق سّرا في بداية الأمر و قادهم في ذلك الحجّاج الأباء “PELGRIMS FATHERS”, حيث كانت وجهتهم نحو هولندا التي آوتهم و لم ترفض مذهبهم الجديد.

 المايفلاورز أول دستور كتب على سفينة تحمل نفس الإسم

و خوفا من ملاحقات التاج البريطاني اضطر الآباء الحجّاج “PELGRIMS FATHERS” بمعية أتباع الطائفة البروتستنتية إلى الفرار من هولندا نحو أراضي العالم الجديد, فركبت أول موجة سفينة تحمل تسمية المايفلاورز “MAYFLOWERS”, و عرف تاريخيا أنه قبل النزول لأراضي اللعالم الجديد تفاهم معظم الركاب على أول دستور قبل أن تنشأ الولايات المتحدة, فيه عدة قوانين تحكم بها البلاد الجديدة, حيث أنشئت أول مستعمرة فيها أطلق عليها اسم هولندا الجديدة عرفانا لما قدمته لهم هذه البلاد من أمن و أمان.

الأمريكان نسوا تضحيات أجدادهم و أداروا ظهرهم لمعاناة الفلسطينيين

رغم ما عاناه الأمريكيون الأوائل من قتل و تشريد من قبل الملك البريطاني الذي لاحقهم حتى عتبات العالم الجديد, إلا أنهم بمجرد أن استثب لهم الأمر في تلك الأراضي عادت مجّددا فيهم الروح الخبيثة للرجل الأوروبي الأبيض الذين يرونه مرّفعا في كل شيئ, فقضوا على وجود الهنود الحمر, و بقوا على هذا المنوال حتى عهدنا الحالي أين اصطفوا إلى جانب الصهاينة في حربهم الجائرة ضد الفلسطينيين, أين يعاني المستضعفون في غزة عشرات أضعاف ما عاناه أوائل البروتستنت, لكن يبدو أن رسائل “PELGRIMS FATHERS” وقفت فقط عند عتبة دستور “MAYFLOWERS” و ما تبقى من معاناة الآخرين لا تعني الأمريكيين الحاليين.

الهولنديون لا يزالون على العهد باقون

و مع انقضاء الأزمان و العهود و من خلال الخرجة غير المتوقعة للسياسيين الهولنديون, أبان هؤلاء مجّددا أنهم لا يزالون على العهد باقون و لعهودهم مراعون, حيث أن استقالة العديد من الوزراء جرّاء عدم امتثال المجتمع الدولي لمعاقبة الصهاينة, أثبت من خلالها الهولنديون مجددا أن البلاد المنخفضة هي أرض الأحرار و كل من يعاني من القهر و الاستبداد, على عكس الأمريكيين الذين نسى معظمهم أن مجيئهم للعالم الجديد لم تكن لتكون لولا عطف الهولنديين من خلال حسن إيواء أوائل البروتستنيين, فحقا ما أشبه اليوم بالبارحة لكن بالنسبة للهولنديين فقط.

سموتريتش و بن غفير غير مرحب بهما في هولندا

من الآليات الردعية التي وضعتها هولندا ضد الكيان الصهيوني هي الحكم على الوزيرين الصهيونيين بن غفير و سموترتيتش بعدم الدخول لبلادهم بحجة أنهما مجرمي حرب, و اقتصت السلطات الأمنية من جميع الضباط و الجنود الصهاينة الذين ثبت في حقهم جرائم حرب في غزة و الذين جاؤوا لبلادهم للسياحة, حيث اعتقلت السلطات الهولندية العديد من مرتكبي هاته الجرائم.

فلندا على خطى هولندا

و على خطى هولندا قال الرئيس الفنلندي ألكسندر ستوب اليوم الاثنين، إن الوضع في غزة “كارثة تعكس فشل الإنسانية”، وشّدد على أن تصرفات إسرائيل في القطاع تنتهك القانون الدولي.

ودعا المفوض الأوروبي السابق للسياسات الخارجية جوزيب بوريل لتحرك قضائي ضد “تقاعس” مؤسسات الاتحاد الأوروبي تجاه مجازر غزة.

و يبدو أن إسرائيل من خلال تجويعها و تشريدها للشعب الفلسطيني تضع نفسها مجددا في خانة أعداء البشرية بلا منازع, بينما يصّنف الأمريكان أنفسهم هم أيضا في خانة المنقلبين على مبادئ الإنسانية.

الجزائر منذ عهد أبي مدين الغوث مع فسطين ظالمة أو مظلومة

يشهد التاريخ أن الجزائر وقفت دوما إلى جانب فلسطين في أحلك الأوقاف, حتى أن جناحا من جيش الناصر صلاح الدين كان مؤلفا بأكمله من جنود جزائريين يقودهم القطب الصوفي أبي مدين شعيب دفين مدينة تلمسان, حيث لم يفوت الجزائريون في ذاك العهد نداء حي على الجهاد لتحرير مدينة القدس, تماما كما حصل في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين الذي صدح بمقولة بقيت خالدة و هي أن الجزائر دوما مع فلسطين ظالمة أو مظلومة, و هي العملة الوطنية التي لا يزال يمشي بها الجزائريون لحد الآن.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram