ما قل ودل

حكومة فرانسوا بايرو تسقط بالقاضية…أزمة سياسية و اقتصادية تخّيم على فرنسا

شارك المقال

يشهد المشهد السياسي الفرنسي تطوراً دراماتيكياً بعد تصويت البرلمان على سحب الثقة من حكومة فرانسوا بايرو بأغلبية ساحقة بلغت 364 صوتاً، في جلسة استثنائية. و يمثل هذا القرار نقطة تحوّل فارقة في الحياة السياسية الفرنسية، كونه يكشف عن عمق التصدعات بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، كما يعكس حالة السخط الشعبي إزاء السياسات الاقتصادية التقشفية المعتمدة في السنوات الأخيرة.

الخلفية السياسية والاقتصادية

تأتي أزمة حكومة بايرو في سياق اقتصادي واجتماعي متأزم، حيث اعتمدت السلطة إجراءات صارمة شملت:

  • فرض المزيد من الضرائب المباشرة وغير المباشرة،

  • تقليص العطل الرسمية،

  • خفض الدعم الاجتماعي الموجه للفئات الهشة.

وقد ساهمت هذه التدابير في تفاقم التوتر الاجتماعي وإضعاف الثقة في أداء الحكومة، الأمر الذي مهد الطريق لسحب الثقة منها داخل البرلمان.

بايرو يحذر من خطر وجودي

في خطابه أمام البرلمان الفرنسي، أكد فرانسوا بايرو أن فرنسا تواجه خطراً وجودياً نتيجة المديونية المفرطة، مشدداً على أن البلاد “تزداد فقراً عاماً بعد عام”، وأن 60٪ من الديون فرنسية المصدر خارجية، في حين يتواصل تراكم العجز منذ أكثر من نصف قرن (51 عاماً). يعكس هذا الخطاب رؤية دفاعية تسعى إلى تبرير السياسات التقشفية باعتبارها استجابة لضرورات مالية ضاغطة، لكنه في المقابل كشف عن محدودية البدائل المطروحة أمام السلطة التنفيذية.

الوضع المالي…أرقام مقلقة

بلغ الدين العام الفرنسي مع نهاية الربع الأول من سنة 2025 ما يقارب 3415 مليار يورو، أي ما يعادل 114٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وتُظهر هذه النسبة تجاوزاً صارخاً للمعايير الأوروبية المنصوص عليها في “معاهدة ماستريخت”، التي تحدد السقف الأقصى للدين العام عند 60٪ من الناتج المحلي.
إن هذا المؤشر يوضح حجم الفجوة المتزايدة بين الإيرادات والنفقات العمومية، مما يجعل أي حكومة مستقبلية أمام تحديات مالية كبرى يصعب تجاوزها من دون إصلاحات جذرية.

التداعيات السياسية والاجتماعية

يترتب عن سقوط حكومة بايرو دخول فرنسا في فراغ حكومي يزيد من تعقيد المشهد السياسي ويضعف قدرة الدولة على إدارة الملفات الاقتصادية والاجتماعية الحساسة. ومن أبرز التداعيات:

  1. عدم الاستقرار السياسي: حيث تزداد احتمالات تعميق الانقسامات الحزبية وصعود قوى سياسية راديكالية.

  2. ارتباك اقتصادي: نتيجة تعطيل القرارات العاجلة المطلوبة لضبط العجز ومواجهة التضخم.

  3. تأزم اجتماعي: إذ ستتسع رقعة الاحتجاجات الشعبية رفضاً للسياسات التقشفية والضرائب الجديدة.

لذا فإن سقوط حكومة فرانسوا بايرو لا يمكن اعتباره مجرد أزمة حكومية عابرة، بل هو انعكاس لأزمة بنيوية متعددة الأبعاد تمس جوهر النموذج الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي. فالتحديات المطروحة اليوم تتطلب حلولاً جذرية تتجاوز منطق التقشف نحو إصلاحات شاملة توازن بين الاستقرار المالي وحماية العدالة الاجتماعية. ويظل السؤال المطروح: هل ستتمكن فرنسا من بلورة عقد اجتماعي جديد يخرجها من مأزق الديون والعجز، أم أن الأزمة الحالية ستكون بداية مرحلة أطول من الاضطراب السياسي والاقتصادي؟

المصدر: الوكالات بتصرف

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram