يشهد الرأي العام في الجزائر منذ التعديل الحكومي الأخير نقاشاً متجدداً حول معايير اختيار الوزراء، خاصة ما إذا كان من الضروري أن يكون الوزير متخصصاً أكاديمياً أو مهنياً في القطاع الذي يشرف عليه. هذا التساؤل يطرح نفسه بقوة في كل مرة تشهد البلاد تغييراً حكومياً، مثلما حدث مؤخراً حين جرى تعيين عدد من الوزراء الجدد في قطاعات حساسة، من دون أن يكون بعضهم قد مرّ بتجربة مباشرة أو تكوين أكاديمي مرتبط بذلك القطاع.
يذهب جزء كبير من الخبراء إلى أن التخصص أمر ضروري لنجاح الوزير، بحكم أن الملفات التقنية المعقدة، سواء في قطاع الطاقة أو الصحة أو التعليم العالي، تتطلب إلماماً معرفياً عميقاً. فوزير الصحة مثلاً الذي درس الطب أو مارس المهنة، يملك قدرة أفضل على فهم التحديات التي يواجهها الأطباء والمستشفيات، بعكس شخصية قادمة من مجال بعيد عن الطب.
لكن بالمقابل، يرى آخرون أن الوزير ليس بالضرورة خبيراً تقنياً بقدر ما هو قائد سياسي وإداري. فوظيفته الأساسية تكمن في وضع السياسات، التنسيق بين مختلف الفاعلين، وخلق الانسجام بين الجهاز التنفيذي، وهو ما يمكن أن يقوم به حتى وإن لم يكن متخصصاً في المجال. والدليل على ذلك وجود وزراء ناجحين عالمياً كانوا بعيدين عن الاختصاص الأكاديمي لكنهم حققوا إصلاحات معتبرة بفضل مهاراتهم في القيادة والإدارة.
التعديل الحكومي الأخير في الجزائر كشف مجدداً هذا الجدل. فقد تم تعيين وزراء جدد في حقائب حساسة، بينهم من يملك صلة مباشرة بالقطاع الذي أسندت إليه، ومنهم من جاء من مجالات أخرى. هذا التباين أثار ردود فعل مختلفة، فالمدافعون عن التخصص اعتبروا أن غياب الخبرة القطاعية قد يعرقل الإصلاحات، خاصة في قطاعات حيوية مثل التربية الوطنية أو الصناعة أو الصحة.
أما المناصرون لفكرة الكفاءة الإدارية أكدوا أن الوزير ليس تقنياً بل صانع قرار، وبالتالي الأهم هو القدرة على القيادة والتسيير، بينما يمكن الاعتماد على طواقم من الخبراء والمستشارين لسد الفجوات التقنية.
تاريخ الحكومات الجزائرية يظهر أن بعض الوزراء الذين لم يكونوا متخصصين في قطاعاتهم واجهوا صعوبة في فرض رؤيتهم أو كسب ثقة العاملين في الميدان. بينما وزراء آخرون، وإن لم يكونوا من أهل الاختصاص، نجحوا بفضل شخصية قوية وقدرة على التنسيق بين الفاعلين.
في المقابل، برزت نماذج إيجابية حين اجتمع التخصص بالمسؤولية السياسية. على سبيل المثال، وزراء من خلفية أكاديمية أو مهنية دقيقة استطاعوا تحقيق قفزة نوعية في مجالاتهم، لأنهم جمعوا بين العمق العلمي والقرار السياسي.
المسألة إذن لا تحتمل الأبيض والأسود. فالتخصص يمنح الوزير مصداقية وفهماً دقيقاً للقطاع، لكن الكفاءة القيادية والإدارية لا تقل أهمية. الحل قد يكمن في مقاربة متوازنة: أن يتم الحرص قدر الإمكان على اختيار وزراء لهم صلة بخلفيات قطاعاتهم، مع توفير طاقم من المستشارين والخبراء لضمان التكامل بين البعد السياسي والتقني.
وبالتالي فإن التعديل الحكومي الأخير لم يكن مجرد حركة في الأسماء، بل أعاد إلى السطح نقاشاً عميقاً حول فلسفة الحكم ومعايير اختيار المسؤولين. هل نريد وزراء خبراء في ملفاتهم أم قادة إداريين قادرين على التسيير؟
الجواب ربما يكمن في الجمع بين الإثنين: التخصص يمنح الرؤية، والقيادة تمنح الفعالية. وما بينهما يبقى الأهم هو إرادة الإصلاح والقدرة على الاستماع والانفتاح على الكفاءات.