ما قل ودل

الاعتراف البريطاني والأسترالي والكندي بدولة فلسطين…دلالاته وانعكاساته على النظام الدولي

شارك المقال

يمثل الاعتراف الرسمي من طرف بريطانيا وأستراليا وكندا بدولة فلسطين خطوة دبلوماسية بالغة الأهمية في مسار القضية الفلسطينية، ويعكس تحولات في مواقف بعض القوى الغربية إزاء الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي. ويأتي هذا الاعتراف في سياق تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل بعد الحرب الدامية في قطاع غزة، وتزايد الدعوات لتجسيد حل الدولتين باعتباره الإطار الأكثر واقعية لتحقيق تسوية سلمية عادلة ودائمة.

السياق الدولي

شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً زخماً سياسياً متجدداً حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية، حيث سبقت هذه الخطوة موجة من الاعترافات من دول أوروبية عدة (بلجيكا، لوكسمبورغ، مالطا، وغيرها). ومع انضمام بريطانيا وأستراليا وكندا، يرتفع عدد الدول المعترفة بدولة فلسطين إلى 147 من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. هذا التوسع يعكس ميلاً دولياً متنامياً لإضفاء الشرعية القانونية والسياسية على الدولة الفلسطينية، في مواجهة استمرار الاحتلال الإسرائيلي.

الموقف الإسرائيلي يعجز أمام الرأي العام الدولي

رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه التطورات، واعتبرها “تهديداً وجودياً لإسرائيل”، و”جائزة غير منطقية للإرهاب”. يندرج هذا الخطاب ضمن المقاربة الإسرائيلية التقليدية التي ترى في أي اعتراف بدولة فلسطينية تقويضاً لمكانة إسرائيل الدولية، وتحدياً لروايتها الأمنية القائمة على محاربة “الإرهاب”. إلا أن الملاحظ هو تزامن هذا الرفض مع وضع نتنياهو القانوني الحرج، إذ يواجه ملاحقات أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة، ما يضعف قدرته على إقناع الرأي العام الدولي.

الموقف البريطاني

أكد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن الاعتراف بدولة فلسطين يأتي في إطار “إحياء أمل السلام وحل الدولتين”. وفي الوقت ذاته شدد على رفض أي دور مستقبلي لحركة حماس في الإدارة أو الأمن الفلسطيني، ما يعكس محاولة الجمع بين دعم حق الفلسطينيين في دولة مستقلة وضمان الاعتراف الإسرائيلي والغربي بأمن إسرائيل. كما أشار ستارمر إلى فرض عقوبات جديدة على شخصيات من حماس، في محاولة للتوازن بين الاعتراف بالدولة الفلسطينية ومكافحة ما تعتبره لندن “الإرهاب”.

الأبعاد الجيوسياسية

يحمل الاعتراف البريطاني والأسترالي والكندي دلالات عميقة:

  1. إعادة التموضع الغربي: هذه الخطوة تعكس انتقال بعض القوى الغربية التقليدية الداعمة لإسرائيل إلى مواقف أكثر توازناً، بفعل الضغوط الشعبية والسياسية.

  2. تعزيز الشرعية الدولية لفلسطين: مع اعتراف أربع قوى كبرى من مجلس الأمن (الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا)، تقترب فلسطين من حيازة دعم شبه كامل من الأعضاء الدائمين باستثناء الولايات المتحدة.

  3. تعزيز مكانة فلسطين: الاعترافات الجديدة تضعف الطرح الإسرائيلي القائم على عزل القيادة الفلسطينية، وتعزز مكانة فلسطين في المؤسسات الدولية.

الاعتراف منعطف تاريخي في مسار القضية الفلسطينية

يمثل الاعتراف بدولة فلسطين من قبل بريطانيا وأستراليا وكندا منعطفاً تاريخياً في مسار القضية الفلسطينية، من شأنه إعادة تشكيل موازين القوة الدبلوماسية داخل الأمم المتحدة وخارجها. وعلى الرغم من رفض إسرائيل ومحاولاتها التصدي لما تعتبره “دعاية كاذبة”، فإن هذا الاعتراف يعكس حقيقة التغير في المزاج الدولي، ويؤكد أن حل الدولتين ما يزال خياراً قائماً وذا أفق سياسي. غير أن تحقيقه يظل مرهوناً بمدى قدرة المجتمع الدولي على ممارسة ضغوط حقيقية تضمن إنهاء الاحتلال وتمكين الفلسطينيين من حقهم المشروع في تقرير المصير.

Share on facebook
Facebook
Share on telegram
Telegram