ركزت تقارير معهد واشنطن (Washington Institute for Near East Policy)-مؤسسة بحثية أميركية مقربة من دوائر القرار في واشنطن – على الجزائر على عدة محاور رئيسية، حيث يُنظر إليها كفاعل رئيسي في محاربة الإرهاب في الساحل الإفريقي (القاعدة، داعش في الصحراء، جماعات مسلحة في مالي وليبيا).
و يعتبر المعهد الامريكي أن خبرة الجزائر في مكافحة الإرهاب منذ التسعينات تجعلها دولة “أمنية محورية”، لكنه يرى أن مقاربتها أحياناً “انعزالية” لأنها ترفض التدخل الخارجي المباشر، كما يشير إلى أن الجيش الجزائري ليس فقط مؤسسة عسكرية بل أيضاً لاعب سياسي واقتصادي، ويركّز على علاقة السلطة بالمعارضة، خاصة منذ حراك 2019، وكيف حافظ النظام على الاستقرار مقابل بعض التوترات الداخلية.
الجزائر تم وصفها كمّورد رئيسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا (خصوصاً بعد أزمة أوكرانيا 2022)، ويتسائل كيف تحاول الجزائر استخدام الطاقة كأداة دبلوماسية لتعزيز مكانتها مع الاتحاد الأوروبي، إيطاليا، إسبانيا، وأيضاً مع روسيا والصين؟.
وركّزت المقاربة البحثية على التوتر مع المغرب، ودور الجزائر في ملف الصحراء الغربية، حيث ترى أن الجزائر تسعى لقيادة إقليم الساحل والصحراء عبر الاتحاد الإفريقي ومبادرات الوساطة و يلاحظ تقاربها مع روسيا والصين، مقابل فتور في العلاقة مع واشنطن.
و يمكن التأكيد على أن المعهد يبالغ في تصوير الجزائر كـ”دولة عسكرية” مهمتها الأساسية فقط مكافحة الإرهاب، في المقابل، الجزائر تعتمد مقاربة شاملة للأمن: تنموية + دبلوماسية + عسكرية. أي أن مكافحة الإرهاب بالنسبة لها ليست فقط بالرصاص، بل أيضاً عبر الاستثمارات في ولايات الجنوب وإفريقيا.
وتشير الدراسات الجزائرية إلى أن توصيف المعهد فيه انحياز: فهو يُبرز الجيش وكأنه يمسك بكل شيء، ويغفل التحولات التي حدثت بعد الحراك (تجديد جزئي للنخب، دستور 2020، قوانين الانتخابات)، حيث تنظر واشنطن غالباً للجزائر بعين “الاستقرار أهم من الديمقراطية”، فتختزل التجربة السياسية في معادلة: جيش = استقرار.
و يركّز المعهد على أهمية الجزائر فقط كـ”مزود غاز” لأوروبا، أي كـ”خزان طاقة”، دون النظر إلى طموح الجزائر في التحول إلى دولة صاعدة بفضل الطاقات المتجددة (الهيدروجين الأخضر، الطاقة الشمسية).
الرؤية المحلية ترى أن الاعتماد على الغاز ورقة قوة، لكن الجزائر لا تريد أن تكون “تابعاً للطاقة” بل لاعباً اقتصادياً متنوعاً.
تقارير المعهد تتناول الخلاف مع المغرب بزاوية ضيقة مرتبطة بالصحراء الغربية، بينما يتجاهلون السياق الأوسع: دور إسرائيل بعد التطبيع المغربي–الإسرائيلي، وما تعتبره الجزائر تهديداً مباشراً لأمنها القومي، كما أن حديث المعهد عن “تقارب الجزائر مع روسيا” يقدَّم كتهديد لمصالح أميركا، بينما من منظور جزائري هو “تنويع للشراكات” حفاظاً على الاستقلالية.
تقارير معهد واشنطن عن الجزائر مفيدة لفهم كيف ترى أميركا الجزائر: قوة عسكرية–طاقوية مهمة، لكنها “غامضة سياسياً”، غير أن الرؤية الجزائرية تردّ بأن هذه المقاربة سطحية، لأنها لا تفهم خصوصية التجربة الجزائرية: استقلالية القرار السياسي، رفض القواعد الأجنبية، ودور تاريخي في دعم حركات التحرر.
هذه التقارير يتطلب قراءتها بعين نقدية: فهي ليست دراسات موضوعية بحتة، بل أدوات لصياغة السياسات الأميركية في المنطقة