شهدت مدغشقر تحوّلاً سياسياً غير مسبوق مع صعود حاكم عسكري جديد إلى سدة الحكم الكولونيل مايكل راندريانيرينا ، قادماً من خلف أسوار السجن إلى القصر الرئاسي في ظرف وجيز أثار اهتمام المراقبين المحليين والدوليين. يعكس هذا التحول طبيعة المشهد السياسي المتقلب في البلاد، حيث تتقاطع الأزمات الاقتصادية مع هشاشة المؤسسات الديمقراطية، وتبرز المؤسسة العسكرية مجدداً كفاعل رئيسي في تحديد مسار السلطة.
السياق التاريخي والسياسي للصعود المفاجئ
عرفت مدغشقر منذ استقلالها عن فرنسا سنة 1960 سلسلة من الانقلابات العسكرية والاضطرابات السياسية التي حالت دون استقرار مؤسساتها الديمقراطية. وقد ساهمت هشاشة النظام الحزبي والانقسامات الداخلية في الجيش في خلق بيئة سياسية قابلة للانفجار. في هذا السياق، برز الحاكم العسكري الجديد، الذي كان ضابطاً سابقاً في القوات المسلحة، قبل أن يُسجن على خلفية اتهامات تتعلق بمحاولة انقلاب فاشلة قبل سنوات.
غير أن عودته إلى المشهد جاءت في ظرف استثنائي، بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية وتراجع الثقة الشعبية في النخب المدنية، ما جعله يظهر في نظر جزء من الرأي العام كمنقذ قادر على إعادة النظام والاستقرار.
الشرعية السياسية وموقف المجتمع الدولي
يثير وصول قائد عسكري إلى السلطة عبر مسار غير تقليدي جدلاً واسعاً حول مشروعية الحكم في مدغشقر. فبينما يرى أنصاره أن تدخله “ضرورة وطنية” لوقف الانهيار المؤسساتي، يعتبر خصومه أن ما حدث يشكّل “انقلاباً مقنّعاً” يعيد البلاد إلى زمن الحكم العسكري المباشر.
أما على الصعيد الدولي، فقد اتسمت ردود الفعل بالتريث؛ إذ دعت كل من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة إلى “العودة السريعة إلى النظام الدستوري”، فيما تبنّت بعض القوى الإقليمية موقفاً براغماتياً، مركّزة على ضرورة الحفاظ على الاستقرار الداخلي ومحاربة الفساد.
التحديات التي تواجه النظام الجديد
يواجه الحاكم العسكري الجديد تحديات جسيمة تتعلق بإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وإنعاش الاقتصاد الذي يعاني من معدلات بطالة مرتفعة وانخفاض الاستثمارات الأجنبية. كما تطرح مسألة حقوق الإنسان والإعلام الحر نفسها بإلحاح، خصوصاً في ظل تقارير تتحدث عن تضييقات على المعارضة السياسية.
وتبقى العلاقة مع المؤسسة العسكرية عاملاً حاسماً في استقرار النظام، إذ يعتمد الرئيس الجديد على دعم رفاقه في الجيش، ما قد يُفضي إلى عسكرة متزايدة للحياة السياسية إذا لم تُتخذ إصلاحات ديمقراطية واضحة.
رفض راندريانيرينا الحديث بالفرنسية…هل هو القطيعة النهائية مع باريس؟
عندما عُرض على راندريانيرينا الرّد على أسئلة بي بي سي بالفرنسية، وهي إحدى اللغات الرسمية في مدغشقر، رد راندريانيرينا: “لماذا لا يمكنني التحدث بلغتي، الملالغاشية؟” وأضاف أنه لا يحب تمجيد اللغة الاستعمارية, هو ما تم تأويله على أنه القطيعة الرسمية مع نظام باريس, حيث يرجع المالغاشيون أن سبب تدهور الأوضاع في البلاد راجع إلى تدخل الإيليزيه في شؤون البلد في الفترات السابقة, و هو ما يسعى الحاكم الجديد لمدغشقر إلى تفاديه مستقبلا مؤكدا أن أولوية النظام الجديد المستقبلية ستكون “الرفاهية الاجتماعية”، وهي قضية مُلِحّة في بلد يعيش فيه نحو 75 في المئة من السكان تحت خط الفقر.