لم يكن ملاكما مغوارا في الحلبة فحسب بل كان فيلسوفا و مدافعا شرسا عن حقوق الإنسان,و لم تكن لكماته و نزالاته تهم المتتبعين بقدر ما هّمت همته في مكافحة الآفات الإجتماعية و رفضه للحروب التي كانت تشّنها بلاده الولايات المتحدة على الشعوب المستضعفة بدون وجه حق.
و أرجو من خلال هذه المقدمة أنكم عرفتم الرجل الذي أسرد قصته الآن,إنه محمد علي كلاي الذي يصادف اليوم يوم اعتناقه للإسلام,حيث صّرح أمام الملأ حينها و هو يدافع على لقب بطولة العالم لثاني مرة أمام “سوني ليستون” أنه طلب من الله أن يجعله غنيا فمنحه الإسلام.
نعم محمد علي كلاي يا سادة لم يكن ملاكما يوّجه و يتلّقى و يتفادى اللكمات فحسب,بل كان أيقونة احترمها الجميع في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا عندما واجه الرئيس الأمريكي نيكسون,في حين كان ينحني لسطوته الملوك و الرؤساء,و قالها بالحرف الواحد عندما استدعي للتجنيد في فيتنام ” الفيتناميون ليسوا أعدائي فهم لم ينادونني بالعبد الأسود,بينما أعدائي هم الأمريكيون البيض الذين ينعثونني دوما بالعبد الذليل”.
تلك الكلمات دوّت في أرجاء المحكمة و لم ينحن بعدها محمد علي أبدا لسطوة نيكسون,بل اجتهد للبقاء واقفا فرغم استبعاده من المنافسة لمدة ثلاث سنوات و سحب جميع بطولاته العالمية,إلا أنه بقي وفّيا لمبادئه حتى وافق العالم رؤيته للحرب و خسرت أمريكا و ربح هو و تلقى عفوا رئاسيا من الطراز الرفيع من قبل صديق الثورة الجزائرية جون كينيدي.
و بعدها كما تعرفون فاز محمد علي كلاي على أعتى الخصوم بما فيهم ” جو فرازير” و “أوسكار بونافينا” و “ليونيل سبيكنس” و “جو بوغنير” وكلهم لم يكونوا نّدا للعملاق و الوحش البشري “جورج فوريمان” الذي أسقطه علي في أذغال إفريقيا بالضربة الفنية القاضية.
و بعد نهاية تلك المنازلة سأله مذيع ال”بي بي سي” حينها إن كان ذاك اليوم هو الأعظم في حياته,ليجيبه محمد علي بأن تلك المنازلة سوف ينساها الناس مع مرور الوقت لكن أعظم يوم في حياته يبقى يوم اعتنق الإسلام في ذات يوم من السابع من شهر مارس سنة 1966.
فرحم الله محمد علي الذي ختم في أحد الحوارات إن كان سيشتاق للملاكمة فأجاب بأن الملاكمة هي التي ستشتاق لعلي و ليس العكس,و هو بالفعل ما كان فمنذ تعليق هذا البطل المسلم للقفازات لم نر أسلوبا و لا أروع و لّذة المشاهدة و مواقف سياسية و إنسانية تصدر من أي بطل غير تلك التي صدرت من الأسطورة و الأيقونة محمد علي فرحم الله روحه و أسكنه فسيح جنانه.