لا تزال قصص الحب العفيف تكتب لتروى للأجيال القادمة خصوصا إذا تعلق الأمر بقصة حب جعلت بطلتها تترك كل ما تملك رغم الإمتيازات في أوروبا لتنتقل بحثا عن جزائري صعدت برفقته للجبال من أجل محاربة المستدمر الفرنسي.
إنها بالفعل قصة لن نجد نظيرتها سوى في عالم الحكايات و الخيال الذي أسدل عنه الستار منذ مرويات إبن المقفّع , لكن لا تزال قصّة حب تعيش لوقتنا الحالي بطلها جزائري و ألمانية اعتنقت الإسلام و جاهدت فرنسا.
الحاجة الزهرة آثرنا القراءة عن سيرتها الحياتية عبر عدة مقالات صحفية و شاهدناها في عدة حوارات تلفزية فاقتبسنا من خلال ما قرأناه و ما شاهدناه موضوع آثرنا تقسيمه لحلقتين.
اسمها الأصلي “فاندنابل ليونتين جورجات جراردة” (ألمانية الأصل) المعروفة باسم الزهرة الألمانية خدمت الثورة الجزائرية حتى النخاع ، فكانت تقوم بجمع وشراء وتهريب الأسلحة رفقة زوجها، و كانت عونا لزوجها المجاهد أحمد ضحوة في محاربة المستعمر الغاشم ، كيف لا و هي التي التحقت به في جبال الأوراس لمحاربة فرنسا، بعدما قطعت تذكرة المشقة من أوروبا في زمن السلم إلى الجزائر في زمن الحرب.
“زهرة اللوتس” الجزائرية لا تزال تحتفظ في ذاكرتها القوية بقصة التحاقها بأرض الكفاح و التحرر , و تعيد تفاصيلها على مسمع من يريد سماع قصتها من الألف إلى الياء أي من منزلها في فرنسا نحو عروس الزيبان مدينة بسكرة، ومكوثها في مسقط رأس زوجها عين الناقة و أصبحت قصتها بمثابة ثراث شفهي يروي عبر الأجيال عن قصة حب زاوجت ما بين التحّرر و إعتناق الدّين الإسلامي فكانت الحاجة الزهرة مفخرة الثورة الجزائرية بامتياز و عربون الوفاء لزوج خرج لمحاربة العدو و استرداد الأرض المسلوبة.
بعد الإستقلال بقت الحاجة الزهرة على العهد و لا تزال تعيش رفقة زوجها بالجزائر , و بالضبط في منطقة تكوت أين كرّست خيرة سنوات عمرها بعد الإستقلال في القطاع الصحي حيث يحبها و يقدّرها الصغير قبل الكبير و تعتبر الفتاة الألمانية بالأمس نفسها جزائرية حتى النخاع حيث بات يربطها بالجزائر دين الله الحنيف و أيضا اكتسابها الجنسية الجزائرية نهاية الستينيات.
وواصل زوجها أحمد ضحوة حياته بطبيعتها مشتغلا كسائق بلدية إلى غاية إحالته على التقاعد، وعرف عنه تفانيه في العمل و تمتعه بروح مرحة أكسبته وّد و محبة سكان تكوت.
تعتبر الحاجة الزهرة و اسمها الأصلي فاندنابل ليونتين جورجات جراردة من مواليد 10 ماي 1942 بمنطقة بلجيكية، وهي ابنة ويني جورديف وفيرفايلي مادلين ماري، حيث عايشت فترة غزو الجيش النازي لبلجيكا مما جعلها تتنقل باستمرار عبر إقليم بلجيكا إلى غاية استقرارها بشمال فرنسا، وبالضبط بمقاطعة ليل، حيث كان والدها يشتغل كمنجمي.
أول حلقات تعارف عمي أحمد ضحوة بالفتاة الألمانية ترجع لعام 1957 حين كان المجاهد يتواجد في فرنسا للعمل، وكان جنديا في الثورة التحريرية ، فلقد كان مكلفا بجمع وشراء وتهريب الأسلحة، فكان يصول و يجول عبر كافة المدن الفرنسية والبلدان المجاورة.
و لعب القدر و المكتوب في أحد الأيام أثناء تنقله نحو بلجيكا، فاشتم البوليس البلجيكي تواجده فكان تحت المراقبة اللصيقة و استطاع الهروب من قبضة رجال الشرطة بالدخول في أحد المنازل حيث استضافه أهل الدار ظنا منهم بأنه يعاني من وعكة صحية , و قاموا بمداواته و ظل جميل الألمان لاصقا في جبين الجزائري الذي كرّر زيارات كمجاملة لتلك العائلة و هنا لعب القدر لعبته المشهورة عبر تلاقي الأرواح الجميلة.
وكانت القصة إيذانا لحب عذري وثّقه قاضي السماء بزواج شرعي ، و فصول الحكاية لم تكتمل بعد بل باتت هناك مراحل أخرى سوف نرويها لكم فيما تبقى من الجزء الثاني من هذه الحكاية العجيبة.